نيويورك ــ نزار عبودواشنطن ــ محمد سعيد
أظهر طلب أميركا انضمام إسرائيل إلى معاهدة حظر الانتشار النووي نيّات بالتشدد حيال الحليف الوثيق. وقد لقيت هذه الدعوة تفاؤلاً حذراً من الدول العربية والشرق أوسطية، لتحويل المنطقة إلى حديقة سلام دولية، رغم أنها أثارت رعب الدولة العبرية، لكون آخر إدارة تحدثت بهذه اللهجة كانت للرئيس الأميركي الراحل جون كنيدي، في أوائل الستينيات.
وكانت مساعدة وزيرة الخارجية الأميركية، روز غوتمولار، قد أعلنت، خلال اجتماعات اللجنة التحضيرية الثالثة لمؤتمر مراجعة معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، أن الولايات المتحدة تودّ أن توقّع «كل دولة، بما في ذلك إسرائيل، على المعاهدة». وهذه الاجتماعات مستمرة منذ 4 إلى 15 أيار الحالي.
وخُصصت جلسة الجمعة الماضي لبحث الوضع في الشرق الأوسط، وجرت مناقشة تنفيذ قرار الشرق الأوسط الذي اتخذ في 1995، ووافق العرب بموجبه على إخلاء المنطقة من السلاح النووي، وفرض إخضاع إسرائيل لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في مقابل تمديد مفتوح الأجل لمعاهدة عدم الانتشار. لكنّ شيئاً من القرار لم يتحقق.
وقدّم مندوب الإمارات أحمد عبد الرحمن الجرمن ورقة نيابة عن المجموعة العربية، رحّب خلالها بـ«الروح الإيجابية التي أعربت عنها الإدارة الأميركية الجديدة أخيراً»، لكنّه أكد أن «هذا الإعلان لن يكون كافياً إذا لم يصاحبه إظهار الأطراف كافة بلا استثناء، وخصوصاً النووية منها، لتوجهات سياسية منسجمة مع ما اتفق عليه بالكامل من توصيات وقرارات ومقررات مهمة خلال مؤتمري مراجعة المعاهدة عامي 1995 و2000».
وحملت الورقة العربية على المعايير المزدوجة، وشدّدت على حق الدول الأطراف في المعاهدة في نيل التقنيات الضرورية للاستخدامات السلمية، بدلاً من التفكير في تغيير قواعد المعاهدة بحيث يفرض حصار على تشاطر التقنيات المتقدمة. وطرحت الورقة خمسة محاور: الأول شدد على أهمية تحقيق الترابط والتقدم بين عمل نزع السلاح وعدم الانتشار والاستخدامات السلمية. والثاني طالب بضمانات قانونية ملزمة التطبيق. والثالث أكد اعتماد المؤتمر المقبل في 2010 خطة عمل شاملة تكفل تحقيق عالمية المعاهدة. والرابع أكد الحق الثابت للدول غير النووية في تطوير البحث العلمي النووي للأغراض السلمية. والخامس أكد أهمية إعادة تنشيط مؤتمر نزع السلاح الذي قدمته الجزائر في 26 آذار الماضي.
ورأى مندوب سوريا الدائم لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري، في حديث إلى «الأخبار»، أن المبادرة الأميركية موضع اهتمام، ومن شأنها «إعادة الحياة إلى قرار الشرق الأوسط لعام 1995». لكنه شكك في الطروحات الآيلة إلى تعديل شروط عضوية المعاهدة وقواعدها، مثل تعديل نقل التكنولوجيا والتفتيش الفجائي لوكالة الطاقة. وشكّك أيضاً في قواعد التحقق من نزع السلاح المستخدمة والمطروحة. وقال «لو أن فرنسا أكدت أنها قلّصت ترسانتها النووية، فمن يستطيع أن يبرهن ذلك وفق نظام التحقق الحالي؟»، وهو أمر ينسحب على إسرائيل.
الترحيب العربي قابله حذر إسرائيلي. ومن المستبعد أن تقبل الدولة العبرية قيوداً على سلاحها النووي عبر الانضمام إلى المعاهدة، لذا يتوقع أن تلجأ إلى التعطيل بشتى الوسائل. وعلى الأرجح أيضاً أن تشهد الأسابيع المقبلة سجالاً بشأن هذا الموضوع وتحركاً ساخناً من قبل اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة، قد يصل إلى حد اتهام إدارة أوباما بالتفريط بأمن إسرائيل.
ويرى العديد من الخبراء في الدعوة الأميركية لانضمام إسرائيل إلى المعاهدة إشارة إلى أن حكومة أوباما تتبنّى موقفاً متشدّداً إزاء علاقاتها مع الدولة العبرية. ونقلت صحيفة «الشعب» الصينية على موقعها الإلكتروني، أول من أمس، عن الخبير الإسرائيلي ميشيل كاربين قوله إن «إسرائيل لا تستطيع التوقيع على المعاهدة، لأنها إذا وقّعت عليها فإن عليها أن تقول إنها لا تمتلك أسلحة نووية، وهو شيء لا تستطيع أن تفعله».
وأضاف كاربين أن «الولايات المتحدة لم تضغط مطلقاً على إسرائيل للقيام بذلك، وحتى في هذه المرة فهي لا تفعل ذلك بطريقة عملية، وأقصى ما يمكن افتراض حدوثه هو توصّل الولايات المتحدة وإسرائيل لاتفاقية مماثلة لتلك التي توصّلت إليها حكومة (جورج) بوش مع الهند»، وهي اتفاقية الوقود النووي والتكنولوجيا النووية التي يتعيّن على الهند بمقتضاها فتح مواقعها النووية التي تنتج الطاقة الكهربائية للاستخدام المدني أمام التفتيش الدولي.
لكن المشكلة الحقيقية، برأي كاربين، تبقى في عدم ورود رسالة واضحة موجهة إلى طهران ضمن تصريحات جوتيمويلر، فذلك حقاً هو ما أغضب السياسيين الإسرائيليين.