يبدو أن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ماضٍ في عداواته مع مقاطعة بريتاني الفرنسية. فبعد السجال الشهير مع أحد الصيادين، ها هو يثير جدلاً بشأن مشاركته البريتانيين في نصرهم الرياضي
باريس ــ بسّام الطيارة
مثل كل مرة، يصنع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الحدث ويضع نفسه في موقف حرج. فقد جرت العادة أن يحضر رئيس الجمهورية نهائي كأس فرنسا في كرة القدم، وهي «المسابقة الأكثر شعبية»، نظراً إلى أنها الأقدم، إذ تعود إلى عام ١٩٢٧.
وعشية المباراة، التي جرت أول من أمس، أعلن متحدث باسم الإليزيه أن الرئيس توجه إلى فيلا زوجته كارلا بروني في الجنوب لتمضية عطلة الأسبوع، وأنه بالتالي لن يحضر المباراة التي تتنافس المدن والمقاطعات الفرنسية على الفوز بكأسها.
ولكنّ الخبر لم يمر مرور الكرام، إذ إنه للمرة الأولى، فإن المقاطعة الرابحة كانت معروفة مسبقاً. فالتنافس كان بين ناديين من مقاطعة بريتاني. «العملاق» في الدرجة الأولى نادي مدينة رين و«القزم» في الدرجة الثانية نادي «قرية غانغان».
وصدم الجميع بإعلان ساركوزي غيابه عن اللقاء، إذ لم يتغيّب في السابق أي رئيس جمهورية، لا عن حضور المباراة فقط، بل عن النزول إلى الملعب والسلام على اللاعبين فرداً فرداً، وخصوصاً أنّ بين مقاطعة بريتاني وساركوزي نزاعاً يصفه البعض بـ«سوء تفاهم»، بينما يقول آخرون إنه «عدم توافق مزاج».
ووصفت صحيفة بريتانية عدم حضور ساركوزي بأنها «غلطة سياسية»، بينما قالت النائبة عن المقاطعة، ماريليز لوبرانش، إنه «يرفض المجيء لأنه يخاف من صفارات الحضور». ويذكر الجميع السجال بين الرئيس المنتخب وأحد الصيادين في أول زيارة له لـ«المقاطعة العاصية»، كما يصفها متابعو تاريخ فرنسا، حين نهره صياد من أعلى قارب صيده فردّ عليه الرئيس «انزل إن كنت رجلاً». ولكنّ الأمر يعود إلى ما قبل انتخاب الرئيس. فقد نقلت عنه الكاتبة ياسمينة رضا قوله، خلال الحملة الانتخابيّة، «إن البريتانيين حمقى»، وإنه رفض الذهاب إلى المقاطعة خلال الحملة قائلاً «لماذا أذهب؟ حتى أجد نفسي بين عشرة حمقى ننظر إلى خريطة بحرية». وسجّلت منافسته سيغولين رويال أعلى نسبة أصوات في هذه المقاطعة.
وبالطبع، انتبه ساركوزي إلى أن عدم حضور المباراة سوف يعتبره البعض «هروباً»، وخصوصاً أن أكثر من ثلاثة أرباع المشاهدين في استاد دو فرانس في باريس، الذين قدّر عددهم بـ٨٠ ألفاً، حضروا من المقاطعة البحرية حاملين أعلام بريتاني السوداء والبيضاء، والتي كانت حتى سنوات معدودة ماضية ممنوعة في فرنسا.
وحضر الرئيس أخيراً، ولكنه «ميّز» حضوره بعدم نزوله إلى الملعب، مكتفياً بتسليم الكأس إلى فريق القرية الصغيرة غانغان (٨ آلاف نسمة).
وبالطبع، فإن هذا الانتصار المعلن للمقاطعة، بوصول فريقيها إلى النهائي، يعتبره عدد من البريتانيين كأنه «ثأر تاريخي» في المجال الرياضي، يضاف إلى نقاط أخرى للمقاطعة، التي ضُمّت بالقوة إلى فرنسا عام ١٧٩٠، ودفعت ثمناً غالياً لمقاومتها إلغاء المدارس الدينية، في مجازر يعتبرها البعض الأشرس في تاريخ الثورة الفرنسية.
وظلت بريتاني تحلم بالاستقلال حتى سنوات قليلة ماضية، رغم أن ٤٠ في المئة من سكان فرنسا لهم أصول بريتانية. وهي مقاطعة غنية جداً، وعندها شبه اكتفاء ذاتي في كل المجالات، وتعتبر «المخزن الزراعي» لفرنسا (قمح وشعير ومواش ومنتجات الألبان)، ما يجعلها المستفيد الأول من المساعدات الزراعية الأوروبية، وتمتلك الأسطول البحري السمكي الأول، وفيها صناعات متطورة إلكترونية وبيئية، وتحتل المركز الأول في الوجهات السياحية لجمال طبيعتها.