أتمّ ديمتري مدفيديف عامه الأول في رئاسة روسيا الاتحادية. رئاسة خلت من مزايا «الرئيس» بفعل الظلّ الطاغي لرئيس الوزراء الحالي، «قيصر روسيا»، فلاديمير بوتين
ربى أبو عمّو
قبل أيام، طرحت صحيفة «ازفستيا» الروسية تساؤلاً لمناسبة مرور عام على رئاسة ديمتري مدفيديف: «هل يريد أحد من القادة أن يكون غورباتشوف؟» سؤال أرادت من خلاله أن تفتح المجال للمقارنة بين الرئيس الحالي وآخر رئيس للاتحاد السوفياتي، ميخائيل غورباتشوف، لاشتراكهما في مبادرات الإصلاح. فجاء توصيفها لعام مدفيديف بـ«البداية الجيّدة».
غورباتشوف، هو صاحب الـ«بيريسترويكا»، التي تعني حرفياً «إعادة البناء». أما مدفيديف، الرئيس الليبرالي الجديد، فأعلن «الإصلاح» عنواناً لعهده. عهد طبعه وصف الصحف الروسية له بأنه «تابع (رئيس الوزراء فلاديمير) بوتين»، رغم أن بعضها خرق هذه الصورة، بالقول إن الرئيس «بدأ يخرج من ظلّ رئيس وزرائه».
لكن صحيفة «كومرسانت» اعتبرت أن مدفيديف لم يسر فقط في طريق سلفه، بل رسم المسار نفسه من جديد. وهكذا، يبدو بوتين واقفاً خلف مدفيديف، كظله. يمسك بين يديه كل الملفات المتعلقة ببلده، الداخلية منها والخارجية. يوقّع على الأوراق والأفعال والأقوال، باسم مدفيديف.
ما حاولت «كومرسانت» رسمه، هو المشهد الأقرب إلى الروس، هم الذين باتوا يقرأون اليوم السياسة من خلال وضع اقتصادي متردّ، فرض نفسه عليهم على خلفية الأزمة المالية التي ضربت العالم.
جاء السابع من أيار ليعلن مرور عام على رئاسة مدفيديف، وسط انقسام شعبي حول هوية الرئيس الحقيقي للبلاد. إذ أشار إحصاء لمركز «ليفادا» إلى أن 34 في المئة من الروس يرون أن السلطة الحقيقية هي في يد بوتين، في مقابل 12 في المئة يرونها تحت إمرة مدفيديف، فيما قال 50 في المئة من المستطلعة آراؤهم إن السلطة متساوية بين الرئيس ورئيس وزرائه. ويبقى 57 في المئة بانتظار عودة بوتين إلى السلطة.
طرح مدفيديف، الرجل الليبرالي كما رآه الغرب أو أمل أن يراه نسبة إلى تصريحاته وماضيه باعتباره أول رئيس روسي لم يأت من الاستخبارات السوفياتية «كي جي بي»، عناوين الإصلاح ومحاربة الفساد وحرية التعبير والانفتاح.
ورغم إجراءات مدفيديف لتطبيق عناوينه، إلا أنها لم تتخطّ الطابع الشكلي. ويفنّد مدير مركز أبحاث «ما بعد الصناعة»، رئيس تحرير مجلة «سفوبودنايا ميسل»، فلاديسلاف سفوبودنايا، عناوين هي: المؤسسات، البنية التحتية، الاستثمار. عناوين تبنّاها مدفيديف خلال حملته الانتخابية من دون أن يحقق تقدماً ملحوظاً فيها خلال عامه المنصرم.
في ما يتعلّق بالمؤسسات، يقول سفوبودنايا إن بوتين لم يؤمّن الأموال المخصصة لمكافحة الفساد. ويرى أنه لا تزال هناك حاجة إلى عمل شاق لمكافحة الفساد وإصلاح نظام الخدمة المدنية. ويعتبر أنه ينبغي استخلاص الدروس من الدول الأخرى على غرار كوريا الجنوبية.
أما البنية التحتية فلا تزال بعيدة عن الإصلاح. وروسيا، التي يبلغ عدد سكانها 142 مليون نسمة، ومساحتها 17 مليون كيلومتر مربع، يقل عدد طرقاتها على سبيل المثال بمعدل نحو 62 في المئة عن كندا، التي يبلغ عدد سكانها 32 مليون نسمة، ومساحتها 9 ملايين كيلومتر مربع. وعلاوة على ذلك، أنشئت نصف السكك الحديدية في روسيا قبل عام 1916، ولم تتم إعادة ترميمها حتى اليوم.
وفي الاستثمار، يشير إلى أنه خلال عام 2007، بلغ حجم الاستثمار في روسيا 6.6 تريليونات روبل (200 مليار دولار) من المصادر المحلية و120 مليار دولار من مستثمرين أجانب. لكن في عام 2008، سيطر الذعر على أصحاب رؤوس الأموال، فسحب المستثمرون الأجانب مستوى قياسياً من رؤوس أموالهم بلغ 129.9 مليار دولار، فيما انخفضت نسبة الاستثمارات المحلية بنسبة 15 في المئة في الربع الأول من عام 2009. كذلك تم صرف بعض القروض الأجنبية بصورة غير ذات فائدة، ما أدى إلى زيادة حجم الديون الهائلة وباتت عبئاً على الاقتصاد.
وإلى حرية التعبير، لا شك أن مدفيديف خرق بعض «الخطوط الحمراء»، التي كانت متبعة في عهد بوتين. اختار الرئيس الروسي صحيفة «نوفايا غازيتا» المعارضة، كأول صحيفة روسية يسمح لها بإجراء حوار معه. كأنه يرد بذلك على التهم الموجهة إلى السلطة الروسية باغتيال الصحافية، آنا بوليتكوفسكايا، التي عملت في تلك الصحيفة وكتبت مقالات معارضة للنظام. كذلك بدأ بتطبيق «الشفافية المالية»، من خلال الفرض على المسؤولين الروس الإعلان عن ممتلكاتهم ومدّخراتهم، هذا عدا عن نيّاته إصلاح القضاء ولقاءاته مع الساسة الروس الليبراليين.
غير أن كل هذه الإجراءات لم تقنع الروس، الذين قد يعبّر عنهم المعارض غاري كاسباروف، الذي رأى أنه من الصعب الحكم على السنة الأولى لمدفيديف، ربما لأنه «ليس رئيساً بعد».