الإصلاحيّون يطالبون بالحدّ من دوره... ومطمئنّون إلى مرور ممثلّيهمطهران ـ محمد شمص
حريّة تامة في الترشح لرئاسة الجمهورية في إيران، الرجل والمرأة، الشيخ والطفل. من مختلف أطياف المجتمع وفئاته وانتماءاته العرقية والطائفية والسياسية يحق لهم تسجيل أسمائهم لهذا الاستحقاق. مع أربعمئة وخمسة وسبعين مرشحاًً، أغلقت وزارة الداخلية الإيرانية الباب أمام الراغبين في الترشّح لخوض الانتخابات الرئاسية. غالبية هؤلاء أرادوا التعبير عن مكنونات صدورهم أمام الصحافيين، وإظهار الصورة التي يرجونها في الرئيس المقبل، ولا سيما ذلك الفتى الذي لم يتجاوز عمره ثلاثة عشر عاماً. وهو دخل بعزيمة وإرادة الرجال إلى مقر وزارة الداخلية، شاهراً هويته وسيرته الذاتية وبرنامجه الانتخابي، معلناً نيته الترشح للرئاسة.
أما النساء فقد بلغ عدد المرشحات منهن، قرابة عشرين، في مقدمتهن النائبة في البرلمان رفعت بيات. ومع أن بعض المسؤولين الإيرانيين أبدوا امتعاضهم ازاء كيفية تسجيل أسماء المرشحين الذين «يسيئون» لإيران، إلاّ أن الانتخابات في هذا البلد تخضع أولاً وأخيراً لرأي مجلس صيانة الدستور، الجهة القانونية الوحيدة المخوّلة الطعن بأي ترشّح وأهليته لهذا المنصب ما لم تتوافر فيه المواصفات والشروط القانونية.
بالنسبة للأطفال والمجرمين، بالطبع سيخرجون من دائرة المؤهلين لموقع الرئاسة، ويليهم أولئك الذين «يشكّلون خطراً على الأمن القومي ويعارضون نظام الحكم الإسلامي» المنصوص عليه في القانون الأساسي أو يتآمرون ضده، ولا سيما الأفراد والأحزاب والمؤسسات المحظورة سياسياً.
المجلس الدستوري بدأ فور انتهاء عملية تسجيل الأسماء، النظر في ملف كل مرشّح على حدة لتُرفع الأسماء النهائية إلى وزارة الداخلية بعد نحو أسبوع من الآن، ثم تبدأ الحملات الانتخابية، شرط أن تتوقف قبل 24 ساعة من بدء عملية الاقتراع في 12 حزيران المقبل.
هذا الدور لمجلس صيانة الدستور، يعارضه بشدة الإصلاحيّون ويطالبون بتعديلات دستورية تطاله مع عدد من المؤسسات الحكومية الأخرى. ويتألف المجلس الدستوري من ستة فقهاء خبراء في القانون، يعيّنهم المرشد الأعلى للثورة آية الله علي خامنئي، ومن ستة رجال قانون يسمّيهم مجلس الشورى ويوافق عليهم المرشد الأعلى. ويرأس المجلس حالياً، آية الله أحمد جنتي، المحسوب على المحافظين.
إلاّ أن مرشحي الإصلاحيين، الأمين العام لحزب «اعتماد مللي» مهدي كروبي، ورئيس الوزراء الأسبق مير حسين موسوي، يبدوان على ثقة تامة بأن أهليتهما لن ترفض، ولا سيما أنهما شغلا في السابق مواقع حكومية واجتازا هذا الاختبار بالاضافة الى صلتهما وتواصلهما مع خامنئي.
المرشّحون، وإن اختلفوا سياسياً، إلاّ أن شعاراتهم وبرامجهم الانتخابية تكاد تكون حتى الساعة متشابهة، فالجميع يؤكد ضرورة تحسين الواقع الاقتصادي وخلق فرص عمل جديدة والعناية بجيل الشباب ومشاكلهم وإكمال ما بدأته إيران من نشاطات وبرامج نووية، وإيجاد حلول للقطيعة بين طهران وواشنطن.
ويصوّب المرشّح الوسطي، قائد الحرس الثوري السابق، الجنرال محسن رضائي، على «فشل التجربة الاقتصادية» لحكومة الرئيس محمود أحمدي نجاد. ويضيف هذا المرشّح، المقرّب من الرئيس الأسبق أكبر هاشمي رفسنجاني، أن الطريق التي يسلكها نجاد «تقود الى الهاوية». أمّا المرشّح المستقل موسوي، فيرى أن إقبال الناس نحوه «لأنهم لا يرون مستقبلاً واضحاً ومشرقاً» وأنه يقدّر الطاقات والموارد البشرية، وسيعمل على تحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في البلاد.
مرشح مستقل آخر هو علي رضا صدر، يدعو الى «مناظرة بين المرشحين لإيضاح برامجهم الانتخابية للرأي العام ليعرف الناس صدقها من زيفها، بما يضمن مصلحة البلاد»، فيما يؤكد مستشارو المرشح عن التيار المحافظ، الرئيس محمود أحمدي نجاد، أن «خطته العشرينية لا تكفي أربع سنوات لتطوير البلاد والخروج من أزماتها»، مع تأكيده أن صناديق الاقتراع وحدها تحدّد اسم الرئيس المقبل، مشدداً على أن «لا ماكينة انتخابية لديه، بل بعض المحبين والأنصار الذين تطوّعوا لنصرته».
نجاد أعلن استعداده لمناظرة تلفزيونية مع المرشحين الآخرين، على أن تبدأ الإذاعة والتلفزيون الرسميان السماح للمرشحين بالظهور بالتساوي وعرض برامجهم الانتخابية.
وتشير الملامح الحالية الى أن نتائج الانتخابات ترجّح عدم حدوث أي تغيير أساسي، أو ما بات يعرف بتسونامي الانتخابات الرئاسية، مع أن التجربة في إيران، عوّدتنا على المفاجآت. لكن استطلاعات الرأي، التي أجرتها مؤسسات غير حكومية في البلاد، تشير الى أن نجاد يملك الحظ الأوفر للفوز بكرسي الرئاسة مجدداً، وأن رهان الجبهة الإصلاحية على فوز أحد مرشحيّها الاثنين، إنما يستند إلى أكبر مشاركة واسعة لقاعدتها وبعض المستقلين وانتقال الانتخابات الى دورة ثانية يكون فيها نجاد في مواجهة حساسة مع موسوي أو كروبي.