حول الجريمة الإرهابية بحق رسامي ومحرري الأسبوعية الفرنسية الهجائية «شارلي أيبدو»، ينبغي وضع النقاط على الحروف.أولا، الجريمة وحشيّة ومُدانة كليا؛ ليس فقط، لأنها أزهقت أرواح أبرياء، بل لأنها، أيضا، تهدد حرية التعبير على المستوى العالمي. وهو ما كان قد استقر في بلادنا، على نحو بشع، منذ الربيع الغربي ـ الإسلامي في 2011؛ استبداد الأنظمة، كان محددا بمجالات مفصلية أو مصلحية بالنسبة إليها، ويؤدي، عادةً، إلى المحاكم والسجون، لا إلى القتل، لكن، فضلا عن ذلك، كان هناك، أقله في البلدان العربية غير الخليجية، قَدر واسع من حرية التعبير الفكري والفني والثقافي، فضلا عن حرية الإيمان؛ النموذج الأمثل هو سوريا. أما الآن، فإن قائمة الممنوعات اتسعت لتشمل كل مجالات التعبير؛

ثانياً، إنها لفاشيةٌ دينيةٌ صريحة، ولها مدى عالمي مخيف مدمّر للحضارة الإنسانية. وقد آن الأوان للقول إن هذه الفاشية متجذرة في نصوص مقدسة ومنتجات فقهية وتراث تاريخي؛ ولم يعد ممكنا تجاهل ذلك، والاستمرار في القول إن هذه الفاشية مجرد انحراف أو تشويه للفكر الديني الإسلامي. هنا، نشيد بدعوة الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، إلى «ثورة دينية». وهذه الثورة تحدث داخل الدين نفسه، فتميّز، فيه، بين ما هو مطلق، انسانيا وكونيا، وما هو تاريخي انتهى سياقه وعهده، يمثل اجتراره، في عصرنا، نوعا رثّا من الفاشية.
ثالثا، الفاشية الدينية هي نتاج تلقائي لاقتران الدين بالسياسة؛ وهكذا، فإن الاسلام السياسي كله مدان بالفاشية أو بتمهيد الأرض لنموّها. وخروج حزب الله عن هذا الحكم، نابع من أنه ليس اسلاما سياسيا، يسعى إلى تجديد بناء دولة اسلامية أو إلى فرض الشريعة، بل هو حركة مقاومة، تهتم بتحرير وسيادة لبنان تعددي، وتتحالف مع قوى المقاومة العلمانية، وفي مقدمها سوريا. رابعاً، الفاشية الدينية الاسلامية عالمية الطابع؛ ففي أوروبا وأميركا، جاليات، وفي روسيا والصين والهند، مواطنون مسلمون الخ. ويكفي أن ينخرط بضعة آلاف من تلك الملايين في تنظيمات إرهابية، لكي تحدث أزمة أمنية عالمية.
خامساً، سوف تتصاعد فاشية أوروبية عنصرية إزاء الفاشية الدينية الإسلامية. والأولى مدانة كالثانية؛ إنما المهم، هنا، هو الضمان المزدوج لأمن المجتمعات الغربية ومصالح الجاليات الإسلامية؛ يتطلب ذلك، خطوة جوهرية من لدننا، تتمثل في نشاط دول المهاجرين لاستعادة تنظيم جالياتها في الغرب على أسس وطنية وقومية، لا على أسس دينية.
سادساً، الفاشية الدينية ليست مجرد حركة دينية هامشية؛ بل هي رأس جبل الجليد الذي بناه البترودولار السعودي والخليجي، ووسعته تركيا أردوغان على نحو غير مسبوق، ابتداء من الإنفاق بالمليارات على بث الوهابية، على مستوى عالمي، وانتهاء بالدعم المباشر للهيئات والجمعيات والتنظيمات التي تصب كلها في خانة الإرهاب؛ إن السعودية وقطر وتركيا تستخدم الإرهاب، بانتظام، كأداة رئيسية في السياسية الخارجية.
سابعا، العلاقة بين الإمبريالية والفاشية الدينية الإسلامية، علاقة عضوية، تؤكدها أحداث العقود الأربعة الأخيرة؛ واشنطن التي أرادت شنّ حرب على الاتحاد السوفياتي من دون الانجرار إلى حرب كونية بين العملاقين، استأجرت الفاشية الدينية الاسلامية لأداء ذلك الدور في أفغانستان؛ كذلك، فإن تكاليف الحرب الباهظة على أفغانستان والعراق، أقنعت الاستراتيجيين الأميركيين ـ إضافة إلى ذيل الكلب الفرنسي ـ باستخدام الاسلام السياسي وخلاصته من التنظيمات الإرهابية، لإنجاز مشروع الشرق الأوسط الأميركي ـ الإسرائيلي، وذلك في حروب مفتوحة على ليبيا وسوريا ولبنان والعراق واليمن الخ؛ عشرات آلاف المقاتلين يخوضون الحرب الأميركية الاسرائيلية على تلك البلدان، منذ 2011، لمصلحة واشنطن وتل أبيب وباريس.
ثامناً، بغض النظر عما إذا كان إرهابيو باريس، كانوا قد قاتلوا في سوريا أم لا؛ فإن التجييش الغربي الهستيري للقوى الطائفية والتكفيرية، ودعمها سياسيا ولوجستيا واعلاميا وعسكريا، خلق المناخ الملائم لتوسع الظاهرة الإرهابية، وقدرتها المتنامية على التجنيد.
تاسعاً، التصريحات العنجهية الفرنسية والاجراءات الأمنية والادانات الدولية، كلها بلا قيمة؛ بل هي مجرد شوشرة دعائية تحجب حقيقة أن المسؤولية السياسية لمذبحة « شارلي أيبدو»، وما سيليها من أعمال إرهابية، تقع، تحديدا، على عاتق فرنسا ـ وحلفائها ـ والسياسات الداعمة للإرهاب في العالم العربي.
عاشراً، هزيمة الفاشية الدينية الإسلامية، تبدأ في سوريا؛ وتفرض المصالحة مع الرئيس بشار الأسد، ووقف الدعم للمسلحين بكل تياراتهم، وتأليف تحالف دولي إقليمي لهزيمة «داعش» و»النصرة» و»الجيش الاسلامي» الخ، واعتبار العلمانية، لا ديموقراطيات المحاصصة البائسة، المعيار الأساسي لشرق أوسط لا يعيش تحت الإرهاب، ولا يصدّر الإرهابيين.