قبل عامين ضجّت فرنسا باسم محمد مراح، الفرنسي ـ الجزائري الذي نفّذ ٣ هجمات دامية متتالية في مدينة تولوز، أدت إلى مقتل ٧ أشخاص بينهم عناصر من الشرطة الفرنسية وأطفال من تلاميذ مدرسة يهودية.حينها لم تتردد السلطات الفرنسية في كشف معلومات عن تلقّي مراح تدريبات في باكستان وأفغانستان. بعدها أعلنت السلطات الباكستانية أن هناك حوالي ٨٥ فرنسياً يتلقون تدريبات في معسكرات طالبان منذ ٣ سنوات.
وبعد مقتل مراح على أيدي الأجهزة الأمنية الفرنسية، قال وزير الداخلية الفرنسي (في حينه) كلود غيان إن أجهزة مكافحة التجسس كانت ترصد منذ سنوات محمد مراح بعد عودته من أفغانستان، لكنها رأت أن مجموعته السلفية المتشددة لا تمثل خطرا محدقا.

تلك المعلومات الرسمية لاقت انتقادات فرنسية على مختلف المستويات، إذ سأل البعض «لماذا تكتفي السلطات بوضع العائدين من باكستان وأفغانستان تحت مراقبة مشددة، ولا تسجنهم فوراً»، واخرون شككوا في "جدوى المراقبة إن لم تكن قادرة على ردع المتطرفين من ارتكاب جرائمهم».
بعد مراح، انتقل الإعلان المباشر والصريح عن «تهديد مصالح فرنسا وأمنها» الى لسان “تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي” وذلك بعد شنّ فرنسا حملة عسكرية على مالي. “القاعدة» والمجموعات المرتبطة بها في مالي استمرت في إطلاق التهديدات تجاه فرنسا خلال عام ٢٠١٣ وحتى يومنا هذا.
حينها، قالت السلطات الفرنسية إنها اتخذت تلك التهديدات «على محمل الجدّ». وبين عامي ٢٠١٣ و٢٠١٤ أعلن توقيف عدد قليل من الأشخاص والشبكات الصغيرة في فرنسا لـ «نقل الجهاديين الى مالي»، وحكم عليهم بالسجن لمدة أقصاها ٩ سنوات، كما أعلن في آب من عام ٢٠١٤ القبض على ٣ جهاديين ينتمون الى تنظيم «القاعدة في المغرب الإسلامي» في عملية أمنية فرنسية في تمبوكتو سمّيت «برخان».
موجة ثالثة من التهديدات «الجهادية ـ الإرهابية» لأمن فرنسا جاءت مباشرة بعد الأزمة السورية، لكن السلطات الفرنسية لم تتحرك لصدّها الا بعد ٣ سنوات. ففي عام ٢٠١٤ بدت الأجهزة الفرنسية والسلطات الرسمية على دراية كاملة بعدد الفرنسيين المشاركين مع «داعش» و«النصرة» في المعارك السورية والعراقية (فاقوا الألف مقاتل)، حتى إن أرقام الداخلية الفرنسية المعلنة تشير الى أعداد واضحة بشأن الموجودين في سوريا (حوالي ٤٠٠)، والموجودين في منطقة «ترانزيت» في تركيا (حوالي ٢٠٠)، الذين لديهم نيات بمغادرة فرنسا الى هناك (٢٠٠). برغم ذلك، لم تسجّل سوى حوالي ٥٠ حالة توقيف لعائدين من سوريا في السجون الفرنسية. القانون، بحسب ما نقلت الصحف الفرنسية عن محامين، لا يرى أن «التوجّه الى سوريا» جريمة بل يركّز على العائدين من هناك الذين يجري إثبات علاقتهم بمنظمة إرهابية.
حادثة الهجوم على متحف يهودي في بروكسل على يد أحد العائدين الفرنسين من سوريا، مهدي نموش في أيار ٢٠١٤ جاءت لتذكّر السلطات الفرنسية بأنه يجب تشديد القوانين المتعلقة بـ “الجهاديين العائدين من سوريا والعراق”، بحسب ما قال عدد كبير من المحللين وقتها.
لكن القضاء الفرنسي انتظر حتى تشرين الثاني الماضي ليصدر أول حكم جزائي بحق أحد العائدين من سوريا، وكان الفرنسي فلافيان مورو الذي حكم بالسجن سبع سنوات بتهمة «الانضمام الى مجموعة إرهابية مقاتلة في سوريا». ماذا عن الباقين بالمئات الذين جرى رصدهم في فرنسا وبين باريس واسطنبول؟ لا شيء سوى توقيف شبكة واحدة لـ «إرسال جهاديين الى سوريا» الشهر الماضي، وتصاريح عن «تعاون بنّاء بين قطر وفرنسا لمكافحة الإرهاب» وإعلان «تشديد التدابير الأمنية» لمواجهة «العائدين».
(الأخبار)