الحرس الثوري يحذّر من زجّها في السياسة... والإصلاحيون يعتبرونها «مؤسسة عسكرية»طهران ــ محمد شمص
تعدّ منظمة التعبئة «الباسيج»، التابعة لحرس الثورة الإسلامي الايراني، أقوى وأهم الكتل الناخبة، في أي معادلة انتخابية، إذ يبلغ عديدها نحو 13 مليون عنصر، بحسب مستشار المرشد الأعلى للشؤون العسكرية، اللواء رحيم صفوي. ولأن هذه القوة الانتخابية الساحقة التصق اسمها في وسائل الإعلام على الدوام بالمحافظين، رغم أن الوقائع تشير الى تنوّع سياسي في داخلها، ارتفعت أصوات في التيار الإصلاحي تطالب بإعادة النظر في دور هذه الشريحة الواسعة من الشباب وحقها بالتدخّل في السياسة واعتبارها مجرد قوة عسكرية.
هذا الأمر استفز «الباسيج» وقيادتها في الحرس الثوري، حيث حذر معاون رئيس هيئة الأركان والقوات المسلحة، اللواء مسعود جزائري، من «زج هذه المنظمة أو الحرس والجيش في سجالات انتخابية»، داعياً المرشحين إلى الكف عن محاولات التقرب من «الباسيج» أو استمالتها لمصلحة طرف دون آخر. وهدد بكشف أسماء بعض هؤلاء المرشحين للرأي العام لكن بعد الانتخابات. الحرس الثوري، من جهته، حذّر في بيان من «مخاطر الحملة الإعلامية الأجنبية وما يعرف بـ«فوبيا إيران» عشية الانتخابات الرئاسية المقررة في 12 حزيران المهمة والحساسة، ولا سيما بعد فشل المشروع الأميركي في المنطقة وتقدّم مشروع الجبهة الاسلامية».
أما «الباسيج» فقد حذّرت، في بيان أيضاً، من «المساس بصورتها ومحاولة توريطها في لعبة الانتخابات»، مشددة على أن «دورها سيبقى كما هو ومن واجب كل فرد فيه تعاطي السياسة والقيام بواجبه الوطني والمشاركة في الانتخابات».
وأضاف البيان أن «للباسيج جناحين، عسكرياً ومدنياً، والثاني له الحق في تعاطي السياسة والشأن العام». مع العلم بأن أحد المرشحين للرئاسة، الجنرال محسن رضائي، هو قائد سابق للحرس.
وخشية ذهاب الأمور الى مكان آخر، حاول المرشح الإصلاحي، رئيس حزب «اعتماد مللي»، مهدي كروبي، تدارك الموضوع وتصويب المسار عبر التأكيد على دور «الباسيج» وأهميته في الحياة السياسية، قائلاً «أنا أعشق الباسيج، لكن في الوقت نفسه ينبغي أن يكون لأفراد الحرس ولهذه المنظمة الحرية في انتخاب مرشحيهم، ولا يجوز لقادة هذه المؤسسة تقسيمها الى أجنحة سياسية أو إقناع بعض أفرادها بأن الاقتراع لمرشّح دون آخر هو خلاف لمرضاة الله»، فيما وصف المرشح الإصلاحي، رئيس الوزراء الأسبق مير حسين موسوي، «الباسيج» بأنها «مدرسة المحبة والإيثار».
هذه المواقف استغربتها أوساط إصلاحية، على اعتبار أن موسوي «مستقل» أو «وسطي» وليس إصلاحياً، ولا سيما أن حديثه عن الالتزام العملي بولاية الفقيه ودعواته المتكررة للعودة الى نهج الإمام الخميني الراحل، دفعت شريحة واسعة في التيار الإصلاحي الى إعادة النظر في دعمه في هذه الانتخابات.
وتشير استطلاعات للرأي أجرتها مؤسسسات قريبة من الإصلاحيين، إلى أن حظوظ كروبي تتقدم على حساب موسوي بين قواعد الإصلاحيين. وكشف الأمين العام لحزب «الحرية» الإصلاحي، مجيد محتشمي، أن «كل الإشارات تدل على وجود تحول في أصوات الناخبين نحو كروبي، وهو السبب الذي دفع بعض القياديين في جبهة الإصلاح الى التفكير ملياً قبل الانجرار وراء موسوي في ترشحه لما فيه مصلحة الحركة الاصلاحية». ودعا محتشمي رئيس مجلس الخبراء، أكبر هاشمي رفسنجاني، الى إعلان موقفه بشفافية ودعم الإصلاحيين في هذه المعركة الانتخابية، مؤكداً أن «لرفسنجاني دوراً مفصلياً وأساسياً في تعزيز جبهة الاصلاحيين وقواهم وأحزابهم».
في المقابل، تنتاب مجموعة أخرى من الإصلاحيين، مخاوف من قدرة كروبي على إدارة المعركة وتحقيق طموحاتهم، ولا سيما أن ممارسات بعض المقربين منه في ماكينته الانتخابية غير مقبولة وتسيء إليه، بحسب نجله حسين كروبي، الذي حذر من عواقب هذه الممارسات ونتائجها على ترشح والده.
الاستطلاعات نفسها تشير الى تقدم كبير في شعبية المرشح المحافظ الرئيس محمود أحمدي نجاد، مقارنة مع موسوي. ويقف المرشد الأعلى للثورة الايرانية، علي خامنئي، على مسافة واحدة من جميع المرشحين، رافضاً تفسير كلامه عن مواصفات المرشّح الأفضل وغيره من التصريحات بأنه دعم لمرشح أو حزب دون آخر. ويؤكد مقربون من المرشد أنه «سيقبل نتائج الانتخابات مهما تكن، وهو الذي مضى على مشروعية حكومة الرئيس السابق محمد خاتمي الإصلاحية، وطالت ثماني سنوات، فيما كان من أبرز اهتماماتها في تلك الفترة المطالبة بإعادة النظر في ولاية الفقيه وحدودها وصلاحيتها».
ومع ذلك يشكك البعض في قدرة موسوي في حال فوزه على التعايش والتفاهم مع المرشد نظراً للتجربة القاسية بين الرجلين، حين كان خامنئي رئيساً للجمهورية وموسوي رئيساً للوزراء مطلع الثورة الايرانية. وثمة اعتقاد بأن موسوي لم يغيّر أفكاره ورؤاه السياسية ولا تزال كما كانت قبل أكثر من عشرين عاماً.