حليقو الرؤوس يتجاوزون محاولات الحظر الألمانيةمعمر عطوي
طرح الحضور الكثيف لليمين المتطرف الألماني في الأول من أيار الماضي، خلال تظاهرات عيد العمال، أسئلة هامّة على صعيد مستقبل البلاد، في ضوء تنامي هذه الظاهرة التي تهدّد بعودة النازية إلى مسقط رأسها.
فمنذ عام 1945، تاريخ سقوط «الرايخ الثالث» واندحار جيوش أدولف هتلر في الحرب العالمية الثانية، لم تتوقف الحركات النازية في ألمانيا عن الإطلال برأسها بين وقت وآخر، مستغلة الهجرة الكثيفة لأبناء الجنوب إلى الشمال، للتحريض على الأجانب لكونهم ظاهرة «تستنزف طاقات البلاد، ولا سيما المؤسسات الرسمية، بالمساعدات الاجتماعية وتحصيل فرص العمل في منافسة مع المواطنين الألمان».
ورغم كل محاولات الحظر ومحاربة الأحزاب الفاعلة في المشهد السياسي لها، بدت اليمينية الألمانية امتداداً واضحاً للحال المتفشيّة على مستوى القارة الأوروبية، حيث بات العداء للأجانب سمة فاضحة في مجتمعات تقود حركة تحقيق المساواة والعدالة والحرية بين البشر. في أي حال، لم يكن «الحزب القومي الديموقراطي الألماني»، الذي بدأ بالظهور رسمياً من خلال فوزه بعدد من مقاعد ولاية سكسونيا السفلى في عام 2004، تجربة جديدة على مستوى اليمين المتطرّف. فقد سبقته تجارب أخرى أثبتت فشلها. لعلّ أهمها، ظهور الحزب الاشتراكي الملكي (أس آر بي)، في آواخر الأربعينيات، بعد سنوات قليلة من سقوط ألمانيا الهتلريّة.
لقد رفض الحزب الملكي الاعتراف بسيادة الحكومة الألمانية بعد الحرب، مشيراً إلى أنها من صنع الاحتلال، مستعيداً شعارات النازية في تمجيد الجندي الألماني وإعادة توحيد ألمانيا التاريخية. لكن هذه التجربة سرعان ما اندثرت مع حظر الحزب لممارساته السياسية المناقضة للدستور.
كذلك تعرض حزب آخر، هو «الحزب الملكي الألماني» (دي آر بي)، لمحاولتي حظر في الخمسينيات؛ فمنذ تأسيسه في عام 1950 من اتحاد قوى اليمين المتطرف، بات بمثابة الرحم التي خرجت منها الأحزاب النازية الحديثة.
أمّا الحزب القومي الديموقراطي الألماني، فقد برز إلى الوجود سنة 1964 في مدينة هانوفر، (ألمانيا الغربية سابقاً)، لكن نشاطه أخذ بالازدياد عقب الوحدة الألمانية ليرتفع عدد أعضائه في الأشهر الأخيرة إلى ما يزيد على سبعمئة ألف عضو. ولعل شعاره الأساسي غير المعلن هو «ألمانيا فوق جميع الأمم».

الصدمة الانتخابية

ربما كانت الصدمة التي خضّت المسرح السياسي الألماني هي الانتخابات المحلية في عام 2004 في ولاية سكسونيا السفلى الشرقية، حيث حصل الحزب القومي، الذي استعاد نشاطه بعد الوحدة الألمانية، على 12 مقعداً في برلمان الولاية.
وتوالت «انتصارات» الحزب في أكثر من برلمان محلّي، حين حصل في عام 2006 في «مكلينبورغ فوربوميرن» على 7.3 في المئة من الأصوات. وبات يهدّد ولاية بافاريا، معقل الاتحاد الاجتماعي المسيحي (سي أس أو).
خطوة توّجت باتّفاق الحزب القومي وحزب «وحدة الشعب الألماني»، للمرة الأولى في تاريخهما، على برنامج مشترك لخوض الانتخابات العامة في عام 2005 التي فشلا فيها، والانتخابات الأوروبية العام الحالي.
ويقف الحزبان موقفاً معادياً من الأجانب واللاجئين ويطالبان بإلغاء قانون الأجانب. ويؤمنان بأن ألمانيا لا تزال محتلة، ومن الضروري تغيير الدستور والقوانين الأساسية انطلاقاً من هذا الأساس.
ثمة حادثة تعتبر غير مسبوقة في تاريخ ألمانيا الحديث، ظهرت في برلمان ولاية سكسونيا، في كانون الثاني من عام 2005، حين رفض النواب اليمينيون الوقوف دقيقة صمت حداداً على أرواح ضحايا المحرقة النازية. المفارقة أن هؤلاء استطاعوا العام الحالي، في ذكرى قصف مدينة درسدن في عام 1945، حشد نحو 6000 شخص في تظاهرة للتنديد بهجوم الحلفاء على المدينة الواقعة في غرب البلاد.

تجاوز الحظر

الحزب القومي، الذي يعاني من أزمات مالية حادة نتيجة ما تعرّض له من غرامات بسبب مواقف قيادته وأعضائه العنصريّة المتطرفة، بلغت نحو 2.5 مليون يورو أوروبي، بقي صامداً أمام محاولات حظره. فقد أعلنت المحكمة الدستورية العليا رفض الطلبات لعدم مشروعية الشهود المقدّمين في القضية.
لكن رئيس الحزب، المهندس آدو فويغت، الضابط الجوي السابق في الجيش الألماني، تعرض للحبس وللغرامات أكثر من مرة، على خلفية تصريحات عنصرية، وقضايا تبرعات مالية غير مشروعة.
في تشرين الثاني 2008، علّق الحزب «القومي الديموقراطي» على انتخاب باراك أوباما أول رئيس أسود للولايات المتحدة، بالقول إنه نتاج «التحالف بين اليهود والزنوج» و«أفريقيا تقهر البيت الأبيض» وأطلق عليه اسم «وباء استوائي أفريقي».
في المستوى الثاني يأتي حزب «القوميين المستقليّن» (إي أن)، الذي شارك بقوة في تظاهرات الأول من أيار الأخيرة، وهو حزب يرفض فكرة الديموقراطية.
وكانت وزارة الداخلية الألمانية قد حظرت بين عامي 1992 و2006، نحو 24 منظمة وجمعية ينشط داخلها يمينيون متطرفون.
لعل الصورة الأوضح للتطرف في بلاد «الرايخ الثالث» تلك التي أبرزها موقع «دويتشه فيلله» الإلكتروني، والتي تفيد بأن نسبة المتطرفين اليمينيين في المجتمع الألماني تصل إلى نحو 12 في المئة من عدد السكان. أمام هذه الظاهرة، تُرى هل تنفع سياسة الاندماج التي تقودها الحكومة منذ سنوات، في إقناع هؤلاء بقبول من يرغب بالاندماج في مجتمع لطالما تغنى بسياسة التسامح والمساواة بين البشر؟


هورست مالر: من اليسار إلى اليمينوكان مالر (72 عاماً) العضو السابق في منظمة «بارد ـــــ ماينهوف» اليسارية الراديكالية التي برزت إبان السبعينيات في ألمانيا الغربية، من رواد «ثورة الطلبة» في أوروبا. ارتدّ عن منظمته اليسارية خلال منتصف الثمانينيات، وأصدرت سلطات العدل بحقه آنذاك عقوبة سجن مخففة، بعدما أعلن «التوبة».
في عام 2000، انضم مالر، أحد مؤسسي الجيش الأحمر الألماني (آر أي أف)، إلى صفوف الحزب القومي، كمحامي دفاع عن الحزب وقيادي رفيع المستوى. حوكم مرات عديدة بتهمة التحريض العنصري واستخدام رموز لمنظمات معادية للدستور الألماني والإساءة لآخرين. واتهم بإنكار الهولوكوست وبإبداء تحية هتلر في حوار مع صحافي يهودي.
(الأخبار)