خاص بالموقع | PM 11:28أنهى البابا «جولة الحجّ في الأراضي المقدّسة». زار أماكن مقدّسة للديانات الثلاث في القدس وبيت لحم والناصرة، لكنه نسي الخليل، حيث الحرم الإبراهيمي. مرقد النبي إبراهيم، أبو الأنبياء حسب الرواية الدينية، مكبّل بحواجز ومستوطنين، ومشرذم بين يهود ومسلمين

الخليل ــ الأخبار
للوهلة الأولى، تبدو البلدة القديمة في مدينة الخليل، كغيرها من البلدات القديمة التاريخية المنتشرة في العالم بأسره. لكن التجوال في أحيائها يثبت عكس ذلك، فأعيُن الإسرائيليين وأسلحتهم في كل مكان. فوق سطوح البيوت التي ثقلت رؤوس أصحابها من الإزعاج الذي يسبّبه جيش الاحتلال، وتآكلت حجارتها بفعل أقدامهم ورصاصهم، فضلاً عن اعتداءات المستوطنين المتكررة على القاطنين في المنطقة، من حرق لمنازلهم ورمي للحجارة والقمامة وغيرها فوق رؤوسهم.

الجوّال في البلدة القديمة يدرك تماماً أن حركة المواطنين فيها ترتهن لأهواء جنود الاحتلال، الذين يتربّصون بالفلسطينيين في كل حركة لهم. واقع يعايشه سكان الخليل كلهم. لكن المضايقات فشلت في دفعهم إلى الاستغناء عن التوجّه إلى البلدة القديمة.

كما حال بيت لحم، كان «الخلايلة»، وهو الاسم الفلسطيني للدلالة على مواطني الخليل، يأملون زيارة البابا بنديكتوس السادس عشر إلى مدينتهم لمعاينة واقع مأساة الاحتلال والاستيطان، وهي متجلّية بأبشع صورها في الخليل. زيارة كان ممكناً أن تجري في المدينة بهدف زيارة المعلم التاريخي الأهمّ في الضفة الغربيّة، بعد الحرم القدسي في القدس المحتلة. معلم جامع للديانات الثلاث أيضاً، هو الحرم الإبراهيمي.

قصة الحرم الإبراهيمي هي قصة كل الخليل، في مواجهته المستمرة لاعتداءات المستوطنين والجيش الإسرائيلي التي لا تستثني أحداً ولا تفرّق بين وافدين ومقيمين. قصة قديمة يمكن استشعار مرارتها مع كل خطوة باتجاه الحرم. خطوات تثقل صاحبها بالإحساس بمعاناة الساكنين. ومع الاقتراب منه، تتّضح صورة المعاناة. أوّل ما يقابل المرء حاجز حديدي دوار، يفتح ويغلق بأمر من الجيش الإسرائيلي. يمر خلاله الزوّار واحداً تلو الآخر. بعد هذا الحاجز يظهر الحرم واضحاً، يلمع من جميع الجهات، بمئذنتيه الشامختين، التي يصل ارتفاع كل منهما إلى 15 متراً.

عند بوابتي الحرم، الداخلية والخارجية، تقوم بوابات إلكترونية إسرائيليّة. يقف عليها مجندون ومجندات، خصيصاً لتفتيش المتوجّهين إلى الزيارة أو الصلاة. كل الذين يعبرون الحاجز للمرة الأولى يصابون بالألم والحسرة على ما يحصل، ولا سيما أن التفتيش يأخذ أبعاداً مهينة لدى الفلسطينيين، علهم يكفّون عن الزيارات.

هذا ما شعرت به إيمان الرجبي عندما أجبرها الجندي الإسرائيلي عند الحاجز على خلع حزامها، مع ما يعنيه ذلك لدى هذه المجتمعات المحافظة. فكرت إيمان كثيراً، رفضت الانصياع لأوامر الجندي في البداية، لكنها كانت عالقة بين حاجزين، ولا طريق ثانية، وإن لم تفعل، عندها يمكن أن يعترضوها على الباب الآخر. لم يكن أمامها إلا تنفيذ الأمر بغصّة لم يأبه لها الجندي الإسرائيلي.

حسرة تتحوّل إلى حرقة لدى الدخول إلى الحرم، والتقسيم الذي أصابه على أيدي سلطات الاحتلال ومستوطنيه. حاجز حديدي يرتفع في الداخل ليقسم الحرم إلى نصفين، واحد للمسلمين وآخر لليهود. لكل قسم أبوابه وطريقه الخاصّة. لكن الفرق كبير بين الجانبين، فلا نقاط تفتيش في الطرف اليهودي، ولا تؤخذ هويات الشباب الذاهبين إلى الصلاة، ولا يُصلَبون ساعات طويلة تحت أشعة الشمس أو المطر، ولا يجبرونهم على خلع ملابسهم وتفتيشهم. هذا كله يحدث فقط للمصلّين الفلسطينيين، الرجال والنساء والأطفال.

ويحاول الاحتلال بسياسته هذه قطع الصلة بين المسلمين والحرم الإبراهيمي، فالطريق التي رسمها باتجاه الحرم أو أي مكان يقصده الناس في البلدة القديمة، تنطلق من حقيقة أن إسرائيل لا تريد إلا أن تسيطر على حياة المواطنين، وتضيّق عليهم عيشهم وتقيّد من حرياتهم، وتفكك أواصر تعلقهم بالحرم، ويصيبهم الملل، ليتحول قلب المدينة إلى المستوطنين الذين يسيطرون على جزء كبير من البلدة القديمة بحماية من الجيش الإسرائيلي. وهناك في البلدة القديمة ثلاث بؤر استيطانية، يعيش فيها 800 مستوطن من أشد المتطرفين الموجودين في الضفة والقدس.

يشار إلى أن التقسيم جاء تطبيقاً لبنود اتفاقية «لجنة شمغار» عام 1995، عقب مجرزة الحرم الشهيرة، التي قام بها المستوطن المتطرف باروخ غولدشتاين عام 1994، عندما أطلق النيران على المصلين وهم ساجدون، واستشهد منهم 29. وقضت الاتفاقية بتقسيم الخليل إلى قسمين: H1 خاضع للسيطرة الإسرائيلية ويضم البلدة القديمة والحرم الإبراهيمي، وH2 تحت سيطرة السلطة الوطنية الفلسطينية.



QUOTE: إسرائيل تريد أن تسيطر على حياة المواطنين وأن تفكّك أواصر تعلقهم بالحرم