دشّن الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا، أول من أمس، موقعاً إلكترونياً يحمل اسم «ذاكرات شفافة»، وهو بمثابة بنك معلومات عن وثائق حقبة الدكتاتورية التي حكمت البرازيل بين عامي 1964 و1985 بول الأشقر
انتهز الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا مناسبة تدشين موقع «ذاكرات شفافة» ليدافع عن «حق الحقيقة والذاكرة» قائلاً: «سنقدم خدمة للديموقراطية البرازيلية عندما سننجح بكشف بعض الأسرار التي لا تزال مخفية في ذاكرتنا». ولا يزال ذوو ضحايا تلك الفترة، الذين يعانون من تأخر الحكومة في معالجة تلك القضية، يطالبون بالحصول على الوثائق السرية لمرحلة الدكتاتورية. وبعد سبات دام نحو ثلاثة عقود، عاد في العام الماضي الجدال حامياً لمعرفة ما إذا كان يحق للدولة أو للضحايا مقاضاة المعذِّبين بالرغم من صدور قانون العفو. وبموازاة ذلك، أرسل لولا إلى الكونغرس، مشروع قانون لتقليص فترة سرية الوثائق الرسمية وتنظيمها لـ«دفن ثقافة سرية الدولة»، كما قالت وزيرة التنسيق السياسي والمرشحة الموالية لخلافة الرئيس في انتخابات العام المقبل، ديلما روسيف. وحضر الحفل، حاكم ولاية ساو باولو، جوزي سيرا، وهو مرشح معارض للرئاسة، فوزه مرجح حتى الآن. واللافت أن المرشَّحين الأوفر حظاً في الانتخابات المقبلة، كانا ملاحَقين خلال حقبة الدكتاتورية.
وتكمن المشكلة في البرازيل، أن هذا البلد لم يؤلف، كما فعلت الأرجنتين والتشيلي، لجنة رسمية لتقصي الحقائق. لذلك، لا يزال أهالي الضحايا يعانون من استمرار وجود مفقودين من حقبة الدكتاتورية. كما أن القوات المسلحة مصرّة على عدم فتح أرشيفها السري بحجة أنها أتلفته في نهاية حقبة الدكتاتورية. وتأتي خطوة لولا تلك، بعد قرار متواضع اتُّخذ في عام 2007، عندما نشرت وزارة حقوق الإنسان كتاب «حق الذاكرة والعدالة»، وكان بمثاية أول وثيقة رسمية تعترف بمسؤولية الدولة وتعيد الاعتبار لسيرة نحو 400 مناضل سياسي اختفوا أو صُفّوا خلال الفترة السيئة الذكر. وفي حينها، أثار نشر الكتاب اعتراضاً رسمياً من قيادة القوات المسلّحة التي طالبت بتصويب مقاربته وتعديل مصطلحاته. لكن لولا لم يصوّب حرفاً واحداً ممّا نُشر، ولم يعاقب الضباط أيضاً، فاستمر الوضع على حاله: غياب الاهتمام الفعلي بالقضية من جانب الرأي العام والطبقة السياسية، في مقابل تجنيد لجان الأهالي وشرائح واسعة من المحامين والقضاة، في ظل معارضة عنيدة من القوات المسلحة ومجلس القضاء الأعلى لتفعيل الموضوع.
وفي سياق الإجراءات الانتقالية من الدكتاتورية إلى الديموقراطية في البرازيل، وضعت آليات للتعويض المالي عن ذوي الضحايا الأموات والأحياء، وهو ما أدى إلى الغياب التدريجي للحماسة الشعبية إزاء القضية.
لكنّ جديداً طرأ على المسألة أخيراً؛ قضية رفعَت أمام مجلس القضاء الأعلى بمبادرة من القضاء الأرجنتيني لتسليمه ضابطاً من الأوروغواي مقيماً في البرازيل ومتورّطاً في جرائم عدة وفي خطف رضيع أرجنتيني، وهو ما كان سائداً في تلك المرحلة السوداء في أميركا اللاتينية، وهي من الجرائم التي لا ينطبق عليها مبدأ التقادم بفعل مرور الزمن. قد تعيد هذه القضية طرح الموضوع في البرازيل عما إذا كان من الضروري تعديل قانون العفو، أو إذا كان جرم التعذيب مشمولاً في ما يسمى «الجرائم السياسية».
والجديد الآخر أنّ أهالي المفقودين في البرازيل بدأوا يقاضون الدولة أمام محكمة حقوق الإنسان الأميركية ــــ اللاتينية. وقد يؤدي احتمال معاقبة البرازيل والتنديد بها على هذا المستوى، دوره في التحرك، إن على الصعيد القضائي أو السياسي، وخصوصاً أن التشريعات الدولية لها في هذه الحالة، الأولوية على التشريعات المحلية.

قال الرئيس لولا دا سيلفا (الصورة): «سنقدم خدمة للديموقراطية البرازيلية عندما سننجح بكشف بعض الأسرار التي لا تزال مخفية في ذاكرتنا». وسبق للولا أن رفض تعديل مضمون كتاب حكومي يعترف بمسؤولية الدولة عن القتل والخطف لكنه لم يعاقب ضباط الجيش