تستمر حالة الصدمة التي أعقبت الهجوم على مجلة «شارلي إيبدو» في السيطرة على المشهد السياسي الفرنسي، الذي يستعد من أجل تنظيم يوم مسيرات وطنية في مختلف المدن، وإن شكّل غياب حزب «الجبهة الوطنية» (يوصف باليميني المتطرف) إحدى إشكالياتها الأساسية.
وفي موازاة الدعوات إلى الوحدة الوطنية التي قادها الرئيس فرنسوا هولاند، كانت أصوات فرنسية مسلمة تعلن رفضها المطلق لأفكار وسلوك الإسلاميين المتطرفين المتهمين بشنّ الهجوم الدموي على الصحيفة الساخرة، باسم الدفاع عن نبي الإسلام.
وتخرج يوم غد الأحد في فرنسا تجمعات كبيرة صامتة، من أجل التعبير عن «الوحدة الوطنية»، في حين يتصاعد جدل بشأن مكانة اليمين المتطرف من هذه «الوحدة» التي تواجه مشكلة تتمثل في مشاركة «الجبهة الوطنية» (اليمين المتطرف) في المسيرة الكبيرة المدنية المقرّرة اعتباراً من الساعة 14,00 تغ، ذلك أن الجبهة متهمة، منذ زمن طويل، بتنمية مشاعر الحقد على المهاجرين والفرنسيين من ذوي الأصول الأجنبية.
ولم تخفِ زعيمة الحزب، مارين لوبن، التي استقبلها هولاند أمس في إطار مشاوراته مع قادة الأحزاب السياسية في البلاد، غضبها بسبب إقصائها، وقالت: «إذا كانت وحدة وطنية يقصى منها عشرون في المئة من الناخبين فهي ليست وحدة». لكن هولاند الذي قد يشارك في تظاهرة الأحد، قال إنه «يمكن لكل المواطنين أن يشاركوا»، مؤكداً أن «المواطنين هم من يقررون المشاركة أو لا في التظاهرة»، ومشدداً في الوقت ذاته على ضرورة «رفض المزايدات والازدراء والرسوم المسيئة».
وقال الرئيس الفرنسي: «أنا أثق ببلادنا التي تتوافر فيها قدرة كبيرة على التجمع، رغم الفظاعات التي نقرؤها أحياناً»، فيما حرص رئيس الوزراء الفرنسي، مانويل فالس، على التأكيد، بدوره، أن فرنسا «في حرب ضد الإرهاب» و«ليس ضد دين ما».
وفي موازاة ذلك، أعرب ممثلو مسلمي فرنسا، الذين يتراوح عددهم بين أربعة ملايين وخمسة ملايين فرنسي، بقوة عن تضامنهم، كما دعوا أئمة المساجد إلى الترحم على أرواح ضحايا الاعتداء على أسبوعية «شارلي إيبدو» والتنديد بأفكار وسلوك الإسلاميين المتطرفين المتهمين بشن الهجوم الدموي على الصحيفة الساخرة باسم الدفاع عن نبي الإسلام.
وقال رئيس «المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية»، دليل بوبكر، إن «مسلمي فرنسا يشعرون بصدمة شديدة وحزن» بعد الهجوم الذي نفذه الفرنسيان الشقيقان كواشي. ودعا المجلس، وهو الهيئة التي تمثّل مسلمي فرنسا، وكذلك «اتحاد منظمات مسلمي فرنسا» (المقرّب من الإخوان المسلمين) «المواطنين المسلمين إلى المشاركة بكثافة في التجمع الوطني» المقرر غداً في باريس.
وفي هذه الأثناء، بدا أن الفرنسيين يعبّرون عن غضبهم بطرق مختلفة. فقد تعرّضت عدة مساجد، منذ الأربعاء، لإطلاق رصاص في مناطق عدة من فرنسا، من دون سقوط ضحايا، وذلك في حين نُظّمت سهرات عدّة جمعت عشرات آلاف الأشخاص الذين حملوا الشموع والزهور في كافة أنحاء البلاد.
وأطلقت أربع رصاصات، ليل الخميس الجمعة، على واجهة مسجد مدينة البي (جنوب) كما عثر على كتابات عنصرية ومسيئة في مسجد بايون (جنوب غرب). وفي بواتييه (وسط غرب)، أوقفت الشرطة شخصاً يشتبه في أنه كتب، ليل الأربعاء الخميس، على بوابة المسجد «الموت للعرب» على ما أفاد مصدر قضائي، لكن المشبوه قال إنه تصرف تحت تأثير السكر و«الصدمة» الناجمة عن الهجوم على «شارلي إيبدو».
وأفادت الشرطة بأنها عثرت، صباح أمس، على رأس خنزير وأمعاء معلقين على باب قاعة صلاة للمسلمين في كورت في كورسيكا.
ودان وزير الداخلية الفرنسي، برنار كازنوف، مساء الخميس، كل أعمال «عنف» أو «تدنيس» تستهدف أماكن عبادة، وقال محذراً: «فليعلم منفّذو مثل هذه الأعمال أنه ستتم ملاحقتهم وتوقيفهم ومعاقبتهم».
وأعرب رئيس «المرصد الوطني لمكافحة معاداة الإسلام»، عبدالله زكري، عن «القلق من تزايد هذه الأعمال بحق المسلمين في الأيام المقبلة»، داعياً «وزارة الداخلية إلى ضمان الأمن». وأضاف أن «المسلمين عالقون في مصيدة، بين هؤلاء الذين يقتلون باسم الإسلام أو متطرفين يريدون تنفيس احتقانهم على المسلمين ويصبّون عليهم خطابهم الذي يتضمن ازدراءً للمسلمين».
(الأخبار، أ ف ب)