باريس ــ بسّام الطيارةرافقت عيون الإعلام اجتماع الرئيس الأميركي باراك أوباما مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في واشنطن، وتصدرت التعليقات، الصفحات الأولى للصحف الفرنسية، وكأنّ هذا اللقاء وضع القضية الفلسطينية على مسار الحل. حتى إنّ وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير وجد من الضروري أن يُسمع صوته، فـ«توقع» الإعلان عن خطة السلام الجديدة في الشرق الأوسط في «خطاب القاهرة» الذي سيلقيه أوباما في الرابع من الشهر المقبل.
وفيما عبّر كوشنير عن «تفاؤله» حيال «التسوية» الإسرائيلية ـــــ الفلسطينية، اعترف بأن فرنسا «تجهل صيغة» ما يحضّره سيد البيت الأبيض. جهل اعترف به رئيس الدبلوماسية الفرنسية، رغم أنه كان قد استقبل قبل أسبوعين، وزير خارجية الدولة العبرية، أفيغدور ليبرمان، وأعلن في حينها عن «تمنياته» أن تسمع إسرائيل «لغة العقل».
وقبل أن يحل أوباما ضيفاً على باريس في السادس من الشهر المقبل للاحتفال بذكرى «إنزال النورماندي» في الحرب العالمية الثانية، فهو سيحدد من القاهرة، بحسب مصادر «الأخبار»، موعد مؤتمر «أنابوليس الثاني» المفترض انعقاده في موسكو.
ويرى بعض المراقبين الفرنسيين أن ما وصفه كوشنير بأنه «خلط لأوراق اللعبة في المنطقة»، ليس تغييراً في السياسة الأميركية الاستراتيجية، بقدر ما هو تغيير في طريقة «تقديم أهداف السياسة الأميركية بعيدة المدى». وبحسب أحد المقربين من هذا الملف، «بات يوجد تباين بين المصالح الإسرائيلية والمصالح الأميركية»؛ فواشنطن ترغب في أن تعود تل أبيب إلى دورها «وسيطاً في بنك الأهداف الأميركية لا شريكاً في تحديد هذه الأهداف»، وهو أمر قائم منذ عهد الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان، الذي فتح باب «الشراكة الاستراتيجية» مع دولة الاحتلال.
والجديد في هذه السياسة التي يحاول أوباما وضعها على سكة «التعامل الدبلوماسي»، هو العودة إلى «تحديد الأهمية الاستراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط بالنسبة إلى الولايات المتحدة»، وهي أولاً وأخيراً «النفط ثم النفط ثم النفط» كما يحلو للبعض ترداده.
ويختصر هذا التحديد الجديد، أسباب «القطيعة» التي أدخلها أوباما إلى مقاربته لملفات المنطقة، وخصوصاً ملفي الصراع العربي ـــــ الإسرائيلي والإيراني، وبصورة غير مباشرة الموضوع العراقي. فالمطلوب، وفق مسؤولين فرنسيين تواصلوا في الأسابيع الماضية مع حكام البيت الأبيض، هو «الوصول لحل دولتين في فلسطين التاريخية» قبل انتهاء الولاية الأولى لأوباما، وعدم «ربط الملف الفلسطيني بالملف الإيراني»، وهو ما يمكن أن يحدث إذا هاجمت إسرائيل إيران لوقف برنامجها النووي. ومن هنا يمكن فهم التحذيرات الأميركية لإسرائيل بـ«خطورة التصرف من دون استشارة واشنطن».
ويشير الخبراء الفرنسيون إلى أن عدداً من الدراسات الأميركية بدأت تصدر لتحذّر من أن الاعتماد على النفط «يحدّ من هامش حركة أميركا في الخارج»، وهو ما يُعَدّ ترجمة لقلق بعض الأوساط المقربة من إسرائيل من «وضع أهداف النفط في مقدمة أولويات السياسة الأميركية الخارجية»، بعكس العهود السابقة، حين كان «أمن إسرائيل» يتصدر هذه الأولويات.
وفي هذا السياق، تندرج الدعوات إلى تغيير طرق استخدام الطاقة عبر دراسات بدأت تصدر عن مراكز أبحاث، أبرزها نشرتها منظمة «سي إن إي» غير الحكومية التي حثّت وزارة الدفاع الأميركية على إقرار «إجراءات فاعلة لتجديد مصادر الطاقة».
وقد حذّرت «سي إن إي»، في تقريرها الأخير، من أن الاعتماد على النفط يضع «القوات الأميركية في مواقع خطيرة من العالم»، ويدفع لتمويل «الدول والأفراد الذين يضمرون لنا الشر ويضعف اقتصادنا».
ويتفق خبراء فرنسيون مع التحذيرات الأميركية التي تفيد بأن «تراجع إمدادات النفط بالتزامن مع التغييرات المناخية، سيغذي الاضطرابات في جميع أنحاء العالم»، ويشيرون إلى أن انطلاق فرنسا في «التسويق للطاقة النووية المدنية»، يصب في محاولة تدارك هذا الوضع الذي يجعل من أوروبا الجنوبية «محكاً للعنف» بسبب النفط.
ومن هنا، فإن قراءة الدوائر الدبلوماسية الفرنسية لبداية «تباين» بين إدارة أوباما وحكومة نتنياهو تقود إلى أن «حظوظ المبادرة العربية» لحل الصراع العربي ـــــ الإسرائيلي باتت «مرتفعة في هذه الأيام»، إذ إن «بديهية ترابط نزاعات المنطقة بملف الفلسطينيين»، بدأت تأخذ طريقها إلى واقع استنتاجات الخبراء بعد سنوات من نفي أي ترابط بين تزايد التطرف في المنطقة واتساع رقعة النزاعات، من جهة، وما يحصل في فلسطين من ناحية أخرى.
انطلاقاً من هذه الفرضيات، يقرأ دبلوماسيون عرب التغيير الطارئ على لهجة الدبلوماسية الفرنسية التي أصبحت تكثر من تنديدها بقرارات توسيع المستوطنات. مستوطنات وصفها المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية إيريك شوفاليه أخيراً بأنها «انتهاك لالتزامات إسرائيل» تمثّل «أكبر عقبة أمام السلام».