باريس ــ بسّام الطيارةقبل أيام من معركة الانتخابات الأوروبية، ورغم «تحرك بعض الشيراكيين» داخل حزب «تجمع الأكثرية الشعبية» الحاكم، في محاولة لزحزحة بعض هيمنة الرئيس نيكولا ساركوزي على اليمين، يبدو أن ساعة نهاية «الشيراكية السياسية» قد حلّت بعد سقوط أحد أبرز مساعديه السابقين، جان تيبيري، الذي «أورثه جاك شيراك» رئاسة بلدية باريس، وسلّمه مقاليد نظام «الزبائن» الشهير، الذي حكم بواسطته العاصمة الفرنسية لمدة عشرين سنة، وجعله مطيّته للوصول إلى الإليزيه. تهمة «الغش والتلاعب بالانتخابات» وجّهت مرات عديدة إلى محيط شيراك الباريسي، وخصوصاً أقرب مساعديه: تيبيري رئيس بلدية باريس السابق، وعمدة الدائرة الخامسة ونائبها حالياً. إلا أن هذه المرة ثبتت التهمة بعد تحقيقات دامت ١٢ سنة، وحكمت محكمة الجنح الأولى عليه بالسجن ٣ سنوات مع وقف التنفيذ، وبعشرة آلاف يورو غرامة، إضافةً إلى منعه من الترشّح للانتخابات لمدة ثلاث سنوات، بسبب تلاعبه بلوائح الشطب، وإنزال أسماء وهمية عليها خلال انتخابات عامي ١٩٩٤ و١٩٩٧.
وجاء في حيثيات الحكم أن تيبيري «أسهم مباشرةً في التعدي على أمانة عملية الانتخاب بواسطة «مناورات غش» استفاد منها لتأمين انتخابه مرتين. وقد حكمت المحكمة أيضاً على زوجة النائب، المتهمة بالتدخل في عمليات التزوير، بغرامة ٥ آلاف يورو، وتسعة أشهر سجن مع وقف التنفيذ.
يقول الباريسيون «حقبة وانتهت». لقد قلب أهالي العاصمة صفحة شيراك، وها هم أهالي الدائرة الخامسة التي كانت قلعة الشيراكية يقلبون صفحة تيبيري. وكانت الانتخابات البلدية السابقة التي أوصلت الاشتراكي برتران دولانويه قد أسست لهذه النهاية، إذ إن المدعي كان البلدية بطاقمها الجديد. غير أن تداعي الحزب داخل باريس كان قد بدأ قبل نهاية عهد شيراك بتفكّك العصبية التي التفّت حول الرئيس، ما إن بدأ نجم ساركوزي بالبروز، وبدأ التفسخ يصيب جهاز الحزب وتنظيمه، وخرجت التسريبات تباعاً، تغذّي شائعات تسلّمها القضاء.
وقد أسهم هذا الضعف في وصول الاشتراكيين وخروج اليمين من البلدية، وبدأ تبادل التهم حتى وصل الأمر إلى حدّ التحقيق مع قاطن الإليزيه شيراك نفسه، بسبب مصاريف الدعوات و«الاستفادة غير المشروعة من أموال عامة».
ويقول البعض إن ساركوزي، النجم الصاعد آنذاك قبل أن يصبح وزيراً للداخلية، ترك هذه «العفونة تتطوّر» لأنه كان المستفيد الأكبر من تضعضع قوى خصومه داخل الحزب رغم خسارة باريس، وهو ما سمح له بالإمساك بقيادة الحزب الديغولي، وبالتالي الوصول إلى الإليزيه، بعد التخلص من دومنيك دو فيلبان. ولكن البعض يرى أن «أسطورة تيبيري الكورسيكي»، الذي وُصف بأنه «هر ذو سبع أرواح»، لم تنتهِ فصولاً بعد: فهو من جزيرة كورسيكا ويعتمد دائماً على «رجال عشيرته» مثل كل أبناء الجزيرة المتمردة، وهو ما جعله يؤسس شبكة علاقات متينة داخل الدائرة الخامسة، حيث يُنتخب منذ عام ١٩٦٨ من دون انقطاع نائباً عنها. أضف إلى أنه استأنف الحكم من جهة، وهذا ما يجمّد أمر ضرورة استقالته، كما أن منعه من الترشح هو فقط لمدة ثلاث سنوات ولا توجد أي انتخابات قبل ثلاث سنوات.
ورغم تنفّس أهالي منطقته الصعداء عند إعلان الحكم، يتفق المراقبون على أن شعبيته لا تزال عالية جداً بسبب الخدمات التي قدّمها إلى الأهالي خلال السنوات الأربعين الماضية. ويتفق الجميع على أنه كان يمكنه النجاح من دون تزوير، إلا أنه سقط في الأجواء الشيراكية التي أراد أن يخدمها. ويحذّر البعض من أن «تيبيري الممسك بأسرار شيراك» يمكن أن يلجأ، خلال فترة دراسة الاستئناف، إلى تصفية حساباته مع الرئيس السابق الذي لم يسعفه حين بدأت «مشاكله مع القضاء»، ولم يحرّك إصبعاً لإنقاذه، وقد يعمد إلى مدّ القضاة الذين لا يزالون يأملون يوماً الإيقاع بشيراك، بما يلزم من وثائق وأسرار يحملها.