توافق على خطوط عامة... وتنحية لائحة الخلافات الثنائيّةربى أبو عمو
لا شك أن لقاء الرئيس الأميركي باراك أوباما ونظيره الروسي ديمتري مدفيديف، هو بداية إيجابية. إلاّ أن الدقائق الأولى بين الرجلين كانت بطبيعة الحال عاجزة عن إلغاء لائحة الخلافات الطويلة بينهما، التي يفترض أن ترجّح في الأيام المقبلة كفة إحدى هاتين الدولتين على الأخرى. أمر دفع أحد المسؤولين الأميركيين إلى القول: «لسنا بهذه السذاجة (في التعامل مع الخلافات). حين تكون هناك خلافات، سنعلن بأمانة أننا نرفض (الرضوخ للفريق الآخر). لكننا سنحاول تجنب المشاكل الناتجة من سوء الفهم بين البلدين».
فكرة تلخص فحوى «اجتماع لندن» حتى الآن، ولا تبتعد عن رؤية الخبير في الشأن الروسي، ديمتري ترينين، الذي قال: «أعتقد أنه كان اجتماعاً دون الحميمية، وهو أمر جيد. هم يعرفون ما يمكن توقعه وما الذي ينبغي عمله، ولا يحاول أحدهما توظيف الآخر أو إقناعه».
عودٌ إلى ما قبل اللقاء. خلال الأسبوعين الماضين، زار وفد أميركي ضم كبار المسؤولين موسكو، حيث التقوا نظراءهم الروس. وعاد الوفد ليقدم إلى أوباما 19 نصيحة عن كيفية التعامل مع روسيا. انطلق معدو التقرير من أن روسيا لا تعدّ بلداً معادياً للولايات المتحدة، ولا تسعى إلى المجابهة مع واشنطن. وحتى لو كان هذا في نيتها، فهي عاجزة عن تحقيق هدفها في ظل الأزمة الاقتصادية. من هنا، يتضح أن مصطلح «البراغماتية» الذي استخدمه مدفيديف في لقاء أمس، لتوصيف العلاقة «المستجدة» بين البلدين، لم تأت من فراغ.
بدا أوباما شديد الحذر في التعامل مع هذه النصائح، وهو الذي يدرك دقة الموقف ولعبة الوقت. هكذا، قفز اللقاء الأول بين الرئيسين عن الخلافات، مكتفياً بالإقرار بوجودها. البداية الإيجابية وصفها الكاتب السياسي في وكالة الأنباء الروسية، «ريا نوفوستي»، دميتري كوسيريف، بالـ«عصا سحرية»، نظراً إلى حاجة كليهما للخروج بنتيجة، فكان الإعلان عن بدء مفاوضات عن خفض ترساناتهما النووية، أي استئناف «ستارت 1»، التي أبرمت خلال الحرب الباردة وينتهي مفعولها نهاية العام الحالي.
تنص المعاهدة على خفض الترسانات النووية الهجومية الروسية والأميركية بنسبة 30 في المئة. وفي عام 1993، توصل الجانبان إلى معاهدة «ستارت 2»، ونصت على خفض ترسانة الأسلحة الأميركية والروسية إلى 3500 رأس حربي نووي بحلول عام 2007. إلا أنها لم تُطَبَّق بسبب الخلافات بينهما، وخصوصاً في ما يتعلق بالدرع الصاروخية الأميركية.
البداية من هذا البند تبدو في مصلحة روسيا، التي لطالما أرادت تطبيق «ستارت 2»، إلاّ أنها تريد تحقيق فعل «المقايضة» التي سبق أن طرحها أوباما، الذي اقترح على روسيا مساعدة بلاده في الملف النووي الإيراني مقابل تبديد هواجسها من الدرع الصاروخية. إلاّ ان موسكو أصرت على معالجة الملفات بأحادية، ونجحت في سحب ورقة «جس النبض» الأوبامية الأولى من بين يديه.
ورغم اتفاق الجانبين أمس على تكثيف ضغوطهما على إيران، إلاّ أن روسيا لم تقدم أي آلية لتطبيق ذلك، بما فيها موافقتها على زيادة العقوبات الاقتصادية على طهران، بعكس النقاط المشتركة التي تجمعهما حول أفغانستان.
وتشير هذه النقاط إلى إصرار واضح لدى الرجلين على الالتقاء حول الخطوط العامة، وتركيز أحجار الشطرنج في مربعات آمنة، من دون أن تملك أي منها قدرة على إطاحة الآخر.
مناكفات ما وراء الكواليس لا تقدم بالضرورة صورة سلبية عن اللقاء، بل لا تخرج عن كونها استعراضاً للقوة، وقراراً مبدئياً بعدم التنازل. ولا شك أن الملفات الواقعة بين البلدين كثيرة، وقدم ترينين رؤيته لشراكة متينة بين واشنطن وموسكو، مقسماً إياها إلى ثلاثة محاور:
أولاً في أوروبا: يجب إقناع الولايات المتحدة بالتخلي عن ضم أوكرانيا وجورجيا إلى حلف شمال الأطلسي، والسعي إلى اتفاق على الدفاع الصاروخي بما يضمن على الأقل أمن روسيا، وذلك من خلال قوة أميركية أوروبية روسية مشتركة. والعمل على إقناع واشنطن بالتصديق على تعديل معاهدة القوات المسلحة التقليدية في أوروبا، وتسوية النزاعات المستمرة منذ فترة طويلة في جنوب القوقاز.
ثانياً في الشرق الأوسط ووسط آسيا: التعاون للحدّ من إنتاج المخدرات في أفغانستان وتهريبها. السعي إلى عدم عودة حركة «طالبان» وغيرها من المتشددين إلى الحكم، والتعاون في مكافحة التطرف والإرهاب بما في ذلك الأسلحة النووية في باكستان. حل المشكلة النووية الإيرانية مع الأخذ في الاعتبار المصالح الأمنية لإيران والحصول على اعتراف أميركي في دور روسيا لكونها واحدة من الشركاء الرئيسيين في مجال الأمن الإقليمي. التعاون في مجال منع نشوب حرب نووية بين الهند وباكستان.
في شمال شرق آسيا: تعزيز المصالح الأميركية في روسيا، والعمل على إقناع الصين بعقد محادثات ثلاثية بشأن الأسلحة الاستراتيجية، واتخاذ خطوات ثابتة نحو حل أزمة كوريا الشمالية.