«الديموقراطية تطعم وتعلّم وتشفي»، هكذا كان يقول الرئيس الأرجنتيني السابق، راوول ألفونسين، الذي رحل أول من أمس عن عمر يناهز 82 عاماً
بول الأشقر
يُعدّ راوول ألفونسين «أبا الديموقراطية» في الأرجنتين، بعدما انتُخب أول رئيس للبلاد بعد سقوط الدكتاتورية العسكرية، مُدشناً أطول حقبة ديموقراطية عرفتها البلاد حتى اليوم.
وأمضى راوول، المحامي والصحافي المولود في عام 1927، حياته السياسية في صفوف الحزب الراديكالي (أحد الحزبين الكبيرين في الأرجنتين) وكان يمثّل يسار الراديكالية.
قبل أشهر من الانقلاب العسكري في عام 1975، أسهم ألفونسين في تأسيس «المجلس الدائم لحقوق الإنسان» الذي كان ملاذ كل الملاحَقين من النظام الديكتاتوري السابق.
بعد انهيار النظام العسكري إثر المغامرة الفاشلة في حرب جزر مالفيناس عام 1982، فاز ألفونسين في الانتخابات الرئاسية في عام 1983، وأصبح أول رئيس يفوز على البيرونية في صناديق الاقتراع. وبعد أيام من تسلمه السلطة، ألّف «اللجنة الوطنية للبحث عن مصير المفقودين»، التي أنهت أعمالها بمقاضاة الزُمر العسكرية التي حكمت الأرجنتين بين عامي 1976 و1983، ما يميّز المرحلة الانتقالية الأرجنتينية عن باقي المسارات في أميركا اللاّتينية حيث جرت تسويات مع العسكر. إلا أن المحاكمات أدت إلى انتفاضات متتالية في الثكنات أجبرت ألفونسين على إقرار قانون أنقذ ضباط الصف الثاني وما دون من العقاب.
على صعيد السياسة الخارجية، بادر ألفونسين بتخطي الخلافات التي كانت تكبّل أداء دول أميركا الجنوبية، وعلى رأسها المنافسة بين البرازيل والأرجنتين. وهو يُعَدّ الطرف المحرك في إنشاء «مركوسور»، كذلك وضع حداً للصراع الحدودي بين الأرجنتين وتشيلي على ممر بيغل. وأدى دوراً فعالاً في «مجموعة دعم اتفاقية كونتادورا»، التي أنهت الحروب الأهلية في أميركا الوسطى، وكذلك في إنشاء «توافق كارتاجينا» للتفاوض في مسألة الدين الخارجي جماعياً، إلا أن تفرد البرازيل والمكسيك حال دون ذلك.
وخلال حكمه، تفاقمت مشكلة التضخم، ففضّل ألفونسين التنحي، من خلال دعوته إلى انتخابات مبكرة قبل سبعة أشهر من نهاية ولايته، وسلّم السلطة لخلفه البيروني كارلوس منعم.
بعد خروجه من الرئاسة، بقي ألفونسين يؤدي دوراً في السياسة، وكان أحد المفاوضين في إقرار دستور عام 1994 الذي كرس إعادة انتخاب الرئيس، كذلك كان مهندس «التحالف» بين الراديكاليين واليسار، عام 1997، الذي نجح في منع منعم من ولاية ثالثة.