تتقدم الأمة الأوروبية إلى ما يمكن تسميته اصطلاحاً «الحقبة الجديدة» وما يمكن وصفه واقعاً بـ«الجنون والخوف والرعب مما هو آتٍ». الإجراءات الجديدة التي دعا إليها بيان وزراء داخلية الاتحاد الأوروبي لمواجهة «الإرهاب الجديد»، أول من أمس، لم ولن تشفي غليل من يقرأ ويستشرف اقتراب مرحلة أكثر ظلامية، وخصوصاً بعدما وضعت هجمات باريس أجهزة السلطة أمام واقع تساؤلات الإعلام الفرنسي عن سبب فشل الاستخبارات في استباق الحدث. كل ذلك إضافة إلى صنف آخر من الترهيب تمثّل، خلال الأيام الماضية، باستغلال اليمين المتطرف للهجمات الأخيرة من أجل توصيف حالة «الإسلاموفوبيا» التي لطالما سعى إلى الترويج لها، وهذه الأخيرة إن ساعدت على شيء فعلى انتشار تخوّف جديد على المستوى العام والسياسي.
الاجتماعات الحكومية توالت في معظم الدول الأوروبية المتخوّفة من الإرهاب، وخصوصاً في فرنسا وبريطانيا، اللتين تسعيان إلى اتخاذ إجراءات جديدة من أجل مواجهته. وبالتزامن مع انعقاد اجتماع أزمة للرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، مع مجلس الوزراء لمناقشة قضايا الأمن القومي، أكد وزير الداخلية الفرنسي، برنارد كازنوف، أن بلاده ستظل في حالة تأهب كبير، خلال الأسابيع المقبلة، معلناً أنه سيُنشر عشرة آلاف جندي لتعزيز الأمن، عقب الهجمات الدموية التي وقعت الأسبوع الماضي، وأن ما يقرب من 5 آلاف من أفراد الأمن سيرسلون إلى 717 مدرسة يهودية في فرنسا. وأوضح وزير الدفاع الفرنسي، جون إيف لودريان، أن هذه القوات ستبدأ في الانتشار، اليوم، في معظم المناطق الحساسة، كما أكد أن عملية نشر القوات ستكون الأكبر في فرنسا، مشدداً على أنها ضرورية «لأن التهديدات لا تزال قائمة». وأقرت الحكومة إنشاء لجنة برلمانية للتحقيق اقترحها الرئيس السابق، نيكولا ساركوزي (2007-2012)، فيما اقترح رئيس الحزب الاشتراكي الحاكم، جان كريستوف كامباديليس، لقاء بين «مجمل أحزاب الجمهورية» لبحث مسائل الأمن.
تبقى الحركات اليمينية المتطرفة من أبرز المستفيدين من هجمات باريس

ورداً على مطالبات وتهويل اليمين بتشديد التشريعات لمكافحة الإرهاب، فقد حذّر فالس من «الإجراءات الاستثنائية»، على غرار قانون «باتريوت اكت» الذي أقر في الولايات المتحدة في أعقاب 11 أيلول، وانتقد لتقييده الحريات العامة. غير أنه أعرب عن تأييده لتشديد نظام التنصت في التحقيقات في قضايا مكافحة الإرهاب، مشيراً إلى السعي إلى تعميم الحجز الانفرادي للإسلاميين المتشددين لمكافحة أنشطة نشر التطرف الإسلامي.
أما على الجانب البريطاني، فقد أعلن مكتب رئيس الوزراء، ديفيد كاميرون، أمس، أن بلاده ستكثّف جهودها لوقف تهريب الأسلحة عبر الحدود، بعدما رأس كاميرون اجتماعاً لمناقشة هجمات باريس وتقييم المخاطر من إمكان وقوع أحداث مماثلة في بريطانيا، الأمر الذي دفع الشرطة وغيرها من أجهزة الأمن إلى الاتفاق على تحديث عمليات التدريب على مواجهة مثل هذه الأحداث. وفي بيان، أشار كاميرون إلى ضرورة استمرار التعاون بين الجيش والشرطة في بريطانيا، إذ إن الشرطة يمكن أن تستعين بالجيش عند الحاجة.
وفي موازاة كل ذلك، تبقى الحركات اليمينية المتطرفة من أبرز المستفيدين من الهجمات التي حصلت في باريس، الأمر الذي يثير خوف الطبقة السياسية الأوروبية من انتشار نوع آخر من التطرف. فـ«اليمين المتطرف يستخدم الهجمات لإشعال فتيل الروح المناهضة للإسلام»، وفق صحيفة «ذا غارديان» التي نشرت تقريراً عن استغلال منظمات يمينية متطرفة مثل منظمة «البديل من أجل ألمانيا»(أيه اف دي) وكذلك تجمعات حليقي الرؤوس ما حدث، من أجل لفت انتباه الشعب الألماني إلى أنهم كانوا محقّين في تحذيرهم من الخطر المستفحل للإسلام والمهاجرين المسلمين. وفي باريس، ذهبت زعيمة حزب «الجبهة الوطنية» اليمينية المتشددة، ماري لوبان، إلى أبعد من ذلك، فقد قالت إنه «يجب أن نكون في وضع يسمح لنا بالرد على الحرب التي بدأها الإسلاميون». أما في هولندا، فقد كرّر السياسي الهولندي، خيرت فيلدرز، الذي يخضع للمحاكمة بسبب تحريضه على الكراهية، تصريحه القائل إن «أوروبا تخوض حرباً» وإن عليها إغلاق أبوابها في وجه المهاجرين المسلمين وفرض قوانين الاعتقال الإداري.
وفي بريطانيا، اتهم نايجل فراج زعيم «حزب الاستقلال» البريطاني اليميني بأنه استغل الهجمات في باريس، من أجل الحصول على مكاسب سياسية لحزبه. وتتوقع الأحزاب الأوروبية المناهضة للهجرة ازدياد قوة شعبيتها بتاثير ما حدث، بحسب الصحيفة.
ومثال آخر على ذلك، حركة «بيغيدا» الألمانية المناهضة للإسلام التي تعمل على الاستفادة من اعتداءات «الجهاديين» في فرنسا لكي تزيد أعداد مؤيّديها خلال مسيرة نظمتها، أمس، في دريسدن (شرق). فمنذ تشرين الأول تحشد «بيغيدا» (وطنيون اوروبيون ضد أسلمة الغرب) كل يوم اثنين متظاهرين ضد الإسلام وطالبي اللجوء. وهي تزيد أعداد المشاركين على نحو كبير، من 500 شخص في أول مسيرة في 20 تشرين الإول إلى عشرة آلاف مطلع كانون الأول، وصولاً إلى 18 ألفاً الاثنين الماضي وهو رقم قياسي. ونزل «الوطنيون الأوروبيون» إلى الشوارع كما حصل في بون (بوغيدا) أو برلين (بيرغيدا)، إضافة إلى أن لايبزيغ شهدت أول تظاهرة مؤيدة لـ«بيغيدا»، مساء أمس. وتتسع هذه الحركة وصولاً إلى أوروبا، ففي فيينا من المرتقب تنظيم أول مسيرة «بيغيدا»، في نهاية كانون الثاني. لكن في مواجهة ذلك، يبقى مناهضو «بيغيدا» أكثر عدداً في ألمانيا، حيث جمعت عدة تظاهرات مضادة أعداداً أكبر من الناس. فيما دفعت تحركات اليمين المتطرف إلى إعلان نائب المتحدث باسم الحكومة الألمانية، جورج ستريتر، أن المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، ستشارك اليوم في تظاهرة المنظمات الإسلامية والتركية ضد الإرهاب ومعاداة الإسلام في العاصمة برلين، إلى جانب نائبها وعدد من الوزراء.
(الأخبار، أ ف ب، رويترز)