احتضنت مدينة ستراسبورغ الفرنسيّة قمة الذكرى الستين لتأسيسه. قمّة ذيّلتها 4 ملفّات: أفغانستان، توريط الأوروبيين في مزيد من المهام العسكرية، العقبة التركية أمام انتخاب أمين عام للحلف والفيتو الروسي على الاقتراب من حدوده
ستراسبورغ ــ بسّام الطيارة
بماذا يحتفل المجتمعون على ضفاف نهر الرين الفاصل بين فرنسا وألمانيا في قمة الحلف الأطلسي؟ هل هو ترحيب بعودة باريس إلى القيادة الموحدة بعد ٤٣ عاماً على انسحاب شارل ديغول منها؟ أم إحياء ذكرى مرور ستين عاماً على إنشاء حلف «لم يعد له مبرر دفاعي»، بحسب ما يقول المناوئون لوجوده، وهم الذين غزوا بتظاهراتهم الحاشدة وسط ستراسبورغ والذين يصفون الحلف بـ«الإرهاب العالمي»؟
ولدى معارضي الحلف ناطقون باسمهم في الإعلام حتى. فهو يمتد شرقاً منذ انهيار «الحائط الشيوعي» وبات يلامس أطراف روسيا و«يشق طريقه نحو الصين»، كما تقول مراسلة تلفزيون «فونيكس» الصيني، ليو لوتشي، عندما تشير إلى الوجود الأطلسي في أفغانستان.
وبالحديث عن أفغانستان، يدرك الجميع أن «أكبر عملية في تاريخ الحلف» تدور الآن في هذا البلد، وأنها سوف تحتل الحيز الأكبر من المباحثات حول طاولة القمة التي تختتم اليوم.
وإلى جانب الاقتراب من الصين، هناك ملف وصول «الأطلسي» إلى حدود روسيا. قضية تزداد سخونة باستقبال ألبانيا وكرواتيا كعضوين جديدين قبل يومين، بينما لا يزال مستقبل جورجيا وأوكرانيا محل «تداول وراء الكواليس»، بسبب فيتو موسكو.
إلا أن مصدراً مقرّباً من الملف أفاد «الأخبار» بأن «إعلاناً باهتاً يمكن أن يصدر بصدد هاتين الدولتين» لأنّ «انفتاح الرئيس باراك أوباما على روسيا يوجب منع استفزازها». غير أن مصدراً آخر أشار في المقابل إلى إمكان «تحديد تاريخ ولو بعيد» لانضمام الدولتين، لافتاً إلى ما قاله الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في مؤتمره الصحافي مع نظيره الأميركي، حين توجّه إلى الرئيس ديميتري مدفيديف قائلاً «عليه أن يعرف أن الاتحاد السوفياتي قد انتهى، ولم تعد هناك دول تابعة حول حدود روسيا اليوم». أما بالنسبة إلى الملف الأفغاني، فمن المتوقّع إغراقه بنحو ١٠ آلاف جندي أطلسي جدد، يضافون إلى الـ١٧ ألف جندي أميركي الذين قرر أوباما إرسالهم إلى الميدان لتطبيق ما بات يُسمى «استراتيجية جديدة». وبحسب بعض التسريبات، فإنّ إضافة هذا العدد في الخريف المقبل، يدل على أن «هدف القضاء على الإرهاب الذي يترعرع في أفغانستان» بات اليوم يختصر الهدف من وجود الحلف. وهنا تكمن الإشكالية؛ فتحقيق هذا الهدف يقود إلى الاقتراب من الصين جغرافياً والتداخل في شؤون باكستان، ما يقحم الحلف الأطلسي في متاهات التحالفات في جنوب غرب آسيا وموازين القوى بين الهند والصين وباكستان مع كم من التعقيدات التي تمزج بين نزاع الحضارات والأديان والطوائف.
ويبدو أنّ «الطابع الشمولي» للحلف هو ما يثير عدداً متزايداً من المعارضين لعودة فرنسا إلى قيادته العامة، علماً بأنه، وكما قال ساركوزي أخيراً، فإن باريس تشارك منذ ١٥ عاماً في مهمات أطلسية عديدة، وأبرزها كان في كوسوفو. ثم برّر ساركوزي قراره العودة إلى القيادة الأطلسية ببساطته المعهودة، قائلاً «من العبث إرسال جنود للقتال من دون تسلم مسؤوليات قيادية».
بدوره، حاول أوباما إقناع الأوروبيين بضرورة الانخراط أكثر في المهمات الأطلسية، عن طريق تخويفهم من أن يُصابوا في عقر دارهم. وقال، رداً على سؤال، إنه بسبب القواعد الإرهابية الموجودة في أفغانستان وباكستان، فإن «احتمال أن تنفذ القاعدة هجوماً إرهابياً على أوروبا هو أكثر واقعية من هجوم على الولايات المتحدة». كلمات يبدو أنها أعجبت ساركوزي الذي لاقاه في منتصف الطريق، قائلاً إن «فرنسا موجودة في أفغانستان لمقاتلة الإرهاب والتطرف»، نافياً في الوقت نفسه نيته إرسال المزيد من التعزيزات إلى الميدان الأفغاني، رغم تأكيده أن بلاده مستعدة لبذل جهود إضافية في مجال «تدريب الشرطة» تمهيداً لما سماه «أفغنة» الصراع.
وتوقف كثيرون عند كلام أوباما عندما أشار إلى أنه يريد أن تتمتع أوروبا «بقدرات عسكرية معززة» داخل الحلف الأطلسي، «لأننا نريد حلفاء أقوياء»، ما يخفف عن كاهل الولايات المتحدة أعباء أمنية ويجعلها أقوى.
إلا أن مسألة ترشّح الدنماركي أندرس فوغ راسموسن لمنصب الأمين العام للحلف لا تزال تنتظر حلاً بين الشركاء الأطلسيين، بعدما أعرب رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، أمس، عن «معارضته الشخصية» لترشيحه بسبب طريقته في التعامل مع قضية الرسوم الكاريكاتورية التي اعتبرها العالم الإسلامي مسيئة للنبي محمد. موقف أردوغان مهم لسببين: أولاً لأنه يتناقض مع كلام رئيسه عبد الله غول الذي لم يمانع قبل أيام بتولّي راسموسن المنصب المذكور. وثانياً نظراً لأنّ تركيا هي الدولة الأطلسية التي تمتلك أكبر جيش بري.
إلّا أنه من المنتظر أن تتجاوز القمة هذه العقبة، وخصوصاً أنه بحسب بعض التسريبات، بات هذا المنصب «شبه محسوم» للدنمارك بموجب اتفاقات مسبقة.


اليسار الأوروبي على الموعد

ستراسبورغ، كيل ـــ الأخبار
لم تقتصر المشاركة في التظاهرات المناوئة لقمة حلف شمالي الأطلسي في ستراسبورغ الفرنسية، بانتظار الانتقال إلى مدينة كيل الألمانية، على «مشاغبين وفوضويين» كما تصفهم بيانات الشرطة. فقد حضر ما يزيد على ١٠٠٠ صحافي انتقل معظمهم من تغطية القمة الاقتصادية في لندن إلى ستراسبورغ، وعلامات الإرهاق والتعب بادية على سحناتهم.
وقد زاد من معاناتهم «الإجراءات الأمنية الصارمة» التي حوّلت عملية الانتقال من وسط المدينة إلى مركز الصحافة، إلى «امتحان أعصاب وتمرين رياضة جري على الأقدام»، وخصوصاً أن «التحضيرات لم تكن على مستوى الحدث».
وبالإضافة إلى الصحافيين، شعر سكان ستراسبورغ بامتعاض كبير، وتحديداً من يسكن منهم وسط المدينة، إذ إن هؤلاء «حوصروا في منازلهم» بسبب الإجراءات الأمنية. كذلك حوصر سكان شمال المدينة وجنوبها بسبب «الاشتباكات العنيفة» بين الشرطة وجموع المتظاهرين الذين قُدّر عددهم بنحو ٤٠ ألف يساري وفوضوي ومناهض للعولمة. وقد تم توقيف أكثر من ٣٠٠ متظاهر، ولا يزال نحو ١٠٠ منهم قيد التحقيق.
ولمواجهة هؤلاء، جندت فرنسا نحو 10 آلاف رجل أمن بلباسهم الأزرق، بينما وضعت ألمانيا نحو ١٤ ألف شرطي وجندي في حالة تأهب، تساندهم طوافات عسكرية حرست الأجواء خصوصاً في الدقائق التي سبقت هبوط «طائرة AIR FORCE 1»، التي حملت الرئيس باراك أوباما في أول زيارة له إلى فرنسا منذ انتخابه رئيساً. زيارة وصفها أحد سكان المدينة بأنها «مكافأة ثمينة للرئيس نيكولا ساركوزي لدوره بعودة فرنسا إلى قيادة الأطلسي».