Strong>واشنطن أرسلت محقّقين إلى إسرائيل لمقابلة المقاتلين في «حرب لبنان الثانية»رغم مرور أكثر من عامين على انتصار حزب الله في عدوان تموز 2006، إلا أن تداعيات الحرب لا تزال حاضرة، ولا سيما بعد ما كشفته صحيفة «واشنطن بوست» عن نقاش حامٍ داخل وزارة الدفاع الأميركية في شأن الأساليب التي اعتمدتها المقاومة اللبنانية في مواجهة الغزو الإسرائيلي

واشنطن ــ محمد سعيد
يدور نقاش محموم وساخن داخل وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) بشأن النتائج التي أسفر عنها العدوان الإسرائيلي على لبنان في صيف 2006، والخسائر التي ألحقها مقاتلو حزب الله بقوات الغزو الإسرائيلي. وقالت صحيفة «واشنطن بوست»، أمس، إن نقاش العسكريين الأميركيين بشأن تلك الحرب قد تغيّر من الطريقة التي سيخوض بها الجيش الاميركي حروباً في المستقبل.
ويرى عسكريون أميركيون أن الحرب على لبنان كانت كارثة بالنسبة إلى الجيش الإسرائيلي. وأشارت الصحيفة إلى أنه «بعد انتهاء القتال بدأ بعض ضباط الجيش بالتحذير من أن هذه المعركة القصيرة، الدامية والتقليدية نسبيّاً، تنذر بالطريقة التي ربما يعمل بها أعداء الولايات المتحدة في المستقبل».
وقالت الصحيفة إن البنتاغون أرسل منذ ذلك الحين عشرات الفرق لإجراء مقابلات مع الضباط الإسرائيليين الذين حاربوا ضد حزب الله، موضحة أن فرق الجيش والبحرية الأميركية رعت إجراء سلسلة من تدريبات الحروب التي كلّفت عدة ملايين من الدولارات لاختبار الطريقة التي ربما تتصرف بها القوات الأميركية ضد عدو مماثل. وقال فرانك هوفمان، وهو باحث في «مختبر الحروب البحرية» في كوانتيكو، «لقد نظّمت عدة مباريات رئيسية في العامين الماضيين، وركز جميعها على حزب الله».
وأشارت الصحيفة إلى أنّ «هناك سبباً كبيراً لكي تجلب هذه الحرب مثل هذا الاهتمام الكبير، وهو أنها تركز على خلاف بين القادة العسكريين، إذ يرغب البعض في إدخال تعديلات على الجيش الأميركي، وبذلك يكون معدّاً بطريقة أفضل لحروب مثل تلك التي يخوضها في العراق وأفغانستان، بينما ينزعج آخرون من أنّ تعديلاً كهذا سيجعل الولايات المتحدة أكثر عرضة لعدو تقليدي».
وأكدت الصحيفة أن «الخبراء العسكريين الأميركيين ذهلوا بالطريقة التي تمكّنت بها قوات حزب الله من استخدام صواريخ متطورة مضادة للدبابات للانتقام من الصفوف الإسرائيلية المدرعة. فخلافاً لمقاتلي حروب العصابات في العراق وأفغانستان، الذين يستخدمون في الغالب أساليب الكرّ والفر، ثبت مقاتلو حزب الله على أرض في معارك استمرت 12 ساعة، كما تمكّنوا من التنصّت على اتصالات إسرائيلية، بل حتى قصفوا مدمّرة إسرائيلية بصاروخ كروز».
وخلصت دراسة وضعها معهد الدراسات القتالية للجيش، في العام الماضي، إلى أن حزب الله «تبنّى من عام 2000 إلى عام 2006 أسلوباً جديداً يحوّل نفسه من قوة حرب عصابات في الغالب إلى قوة قتالية شبه تقليدية».
وحذر تقرير مماثل للبنتاغون من أن قوات حزب الله كانت «رائعة التدريب، وخاصة في استخدام الأسلحة المضادة للدبابات والصواريخ»، مضيفاً أنهم يفهمون جيداً جوانب التأثر في القوات المدرعة الإسرائيليةوتوقعت الصحيفة أن يتخذ وزير الدفاع روبرت غيتس موقفاً حازماً في هذا النقاش، في ضوء الخفض المتوقع للأموال المخصصة لأنظمة التسلّح المصمّمة للحروب التقليدية، لجهة تعزيز أنظمة المراقبة والاستخبارات والبرامج المخصصة للمساعدة في تعقّب المسلحين. ويعتقد أن مثل هذا التغيير في حال حدوثه يعكس تنامي نفوذ المعسكر المؤيّد للتركيز على محاربة حركات المقاومة المسلحة في وزارة الدفاع، ومن بين أبرز أعضائه قائد المنطقة الأميركية الوسطى الجنرال ديفيد بيترايوس، مشيرة إلى أن استراتيجية الرئيس الأميركي باراك أوباما تجاه أفغانستان، التي تركّز على حماية السكان المحليين والقضاء على الملاذات الآمنة للإسلاميين المتطرفين، تدعم إلى حد كبير هذا المعسكر.
وقالت الصحيفة إن السؤال الذي يواجه المسؤولين العسكريين الأميركيين هو ما إذا كانوا قادرين على بناء قوة يمكن أن تنتصر في معركة لمحاربة المقاومة. وقد سبق لقائد القوات الأميركية السابق في العراق الجنرال جورج كايسي أن دعا إلى أن يكون الجيش الأميركي قادراً على محاربة حركات المقاومة وقتال الجيوش التقليدية، وإعادة بناء الدول في الوقت نفسه، ولكنّ الخبراء يشككون في إمكان حصول ذلك.
أما السؤال الآخر الذي يواجهه المسؤولون العسكريون الأميركيون فهو ما إذا كان الجيش الأميركي يأخذ الدروس الصحيحة من الحرب بين إسرائيل وحزب الله. فقد ركّز دراساته حصرياً تقريباً على المعركة في جنوب لبنان، وتجاهل الدور المتنامي لحزب الله في المجتمع اللبناني بصفته حزباً سياسياً، فضلاً عن المساعدات الإنسانية التي قدمها بعد المعركة والمساعدة في إعادة الإعمار. ويقول الضابط السابق في الجيش الأميركي أندرو إكسوم «حتى لو كان أداء الإسرائيليين العملياتي أفضل، فإنني لا أعتقد أنهم سيكونون المنتصرين على المدى الطويل».