تبنّى وساطتها السوريّة ــ الإسرائيليّة وجدّد موقفه من «الإبادة» وربط السلام بتخلّي طهران عــن النوويصحيح أنّ الرئيس الأميركي باراك أوباما لم يفجّر مفاجأة في كلمته أمام البرلمان التركي أمس، إلا أنّ خصوصية تركيا «حليفاً أميركياً استراتيجياً» ودولةً مسلمة «نموذجية» بالنسبة إلى الغرب، جعلت الكلمة مميزة حول كل الملفات: إيران والعراق وسوريا وإسرائيل وأزمة النفط وترشيح تركيا للعضوية الأوروبية
جاءت كلمة الرئيس الأميركي باراك أوباما أمام البرلمان التركي في أنقرة، أمس، متناسبة مع الأهمية التي أعطيت للزيارة الأولى التي يقوم بها إلى دولة إسلامية بصفته رئيساً. خطاب جاء كذلك بحجم الدور الاستراتيجي الذي تؤديه تركيا وفقاً للرؤية الأميركية. ثبّت أوباما تركيا محاوراً بين سوريا وإسرائيل. وضعها في مصافّ الحاجة الماسّة لأوروبا والغرب، ثمّ عرّج على دورها في إنهاء الحرب في العراق، في تلميح غير مباشر إلى انسحاب قد يكون عبر الأراضي التركية. وانتهز وجوده في تركيا المجاورة لإيران، لتوجيه رسالة إلى حكام طهران، ومفادها أنّ انتشار الأسلحة النووية لا يخدم مصالح أحد.
وشدّد الرئيس الأميركي على أنّ التقدم على صعيد السلام في الشرق الأوسط والمنطقة عموماً، «سيكون ممكناً إذا تخلت إيران عن أي مطامح نووية»، مكرراً ما قاله في براغ أول من أمس، عن أن انتشار الأسلحة النووية «لا يخدم مصالح أحد». كذلك رأى أنّ الشرق الأوسط «نال قسطه من العنف والكراهية وهو ليس بحاجة إلى سباق أبدي للحصول على أسلحة دمار أكثر فاعلية». ورغم أنه لم يشر إلى دور وسيط محتمل أن تؤديه أنقرة بين طهران والغرب، جزم بأنّ واشنطن «تسعى إلى الحوار مع إيران على أساس المصالح المتبادلة والاحترام المتبادل ونريد أن تؤدي إيران دورها الطبيعي في المجتمع الدولي عبر التكامل الاقتصادي والسياسي الذي يحقق الرخاء والأمن». وختم حديثه الإيراني بدعوة حكام طهران إلى الاختيار «بين السعي إلى بناء أسلحة نووية أو بناء مستقبل أفضل لشعبهم».
وفي الملف العراقي، قال أوباما إن تركيا والولايات المتحدة «تدعمان أمن العراق ووحدته وعدم بقائه ملاذاً آمناً للإرهابيين»، وتتحملان مسؤولية إنهاء الحرب، «لأن مستقبل العراق لا ينفصل عن مستقبل المنطقة»، لافتاً إلى إصراره على العمل مع بغداد وأنقرة وجميع الدول المجاورة للعراق «لإقامة حوار جديد لحل الخلافات وتعزيز الأمن المشترك».
وكما فعل سلفه جورج بوش، رأى أوباما أنّ الولايات المتحدة وتركيا والعراق تواجه «الخطر نفسه المتمثل بالإرهاب الذي يشمل القاعدة وحزب العمال الكردستاني»، متعهداً مواصلة دعم تركيا في مكافحتها «الأنشطة الإرهابية لحزب العمال الكردستاني».
وبكلمات قليلة لكن معبّرة، تطرق أوباما إلى دور تركيا في الشرق الأوسط، واصفاً إياها بأنها «حليف حسّاس»، ومجدداً دعم إدارته لوساطتها التي تؤديها بين دمشق وتل أبيب.
وعلى وقع تصفيق النواب الأتراك، الذي قاطعوا كلمته مراراً، بدا أوباما حازماً حيال مطالبة أوروبا بقبول عضوية تركيا في اتحادها، وخصوصاً أنّ أنقرة «حليف مهم وجزء مهم من أوروبا». وقال: «تركيا تتصل بأوروبا بأكثر من الجسر الذي يعبر فوق مضيق البوسفور، ومكاسب أوروبا تكمن في تنوع الأعراق والتقاليد والعقيدة وعضوية تركيا ستساهم في توسيع وتعزيز الأسس التي تقوم عليها أوروبا».
وعوّل أوباما على موقع تركيا ممراً لنفط وسط آسيا إلى الغرب ولتصبح بديلاً من الأراضي الروسية التي تمر عبرها أنابيب النفط والغاز إلى أوروبا حالياً، في إشارة إلى مشروع أنابيب نابوكو المنويّ إنجازه في عام 2013 لنقل نفط وغاز منطقة قزوين عبر تركيا إلى النمسا.
وفي الشأن الداخلي التركي، أثنى على التقدم على صعيد تعزيز الديموقراطية، وطالب نواب الأمة بحماية حقوق الأقليات الدينية، خاصاً بالذكر المسيحيين منهم. وعن رؤيته لعلاقة أميركا بالعالم الإسلامي، لفت إلى أنها علاقة «لا تقتصر على معارضة تنظيم القاعدة، بل على شراكة أوسع تقوم على أساس المصالح المشتركة والاحترام المتبادل». وتابع: «سنعبّر عن تقديرنا العميق للدين الإسلامي الذي أسهم طوال عقود في تشكيل العالم على نحو أفضل، بما في ذلك بلادي». وتعهّد بأن يثبت أقواله بالأفعال، لأن بعض التحديات «تجب مواجهتها بالقوة، لكن القوة وحدها لا يمكن أن تحل مشاكلنا، وهي ليست بديلاً للتطرف».
ولا شك أن أوباما لم يسرّ النواب الأتراك عندما جدد موقفه الذي يحمل السلطات العثمانية مسؤولية «الإبادة الأرمنية» والمطالب بالاعتراف بحصول «الإبادة». إلا أنه دعم بالمطلق مسيرة المصالحة التركية ـــــ الأرمنية الجارية حالياً. وحثّ الطرفين على التعامل مع الماضي «على نحو صادق وصريح وبناء». وكلف تركيا علناً بتأدية دور وساطة لحل النزاع بين أرمينيا وأذربيجان على منطقة ناغورنو كراباخ، فضلاً عن حل المسألة القبرصية وتوحيد شطري الجزيرة.
(الأخبار، يو بي آي)