يُعتَبَر عقاب رئيس البيرو السابق، ألبرتو فوجيموري، سابقة في أميركا اللاتينية، لأنها المرة الأولى التي يعاقب فيها رئيس منتخب لخرقه حقوق الإنسان. طويت صفحة سوداء في أميركا اللاتينية. ويكفيها سواداً أن الرجل كان مفتوناً بمجرم تشيلي أوغيستو بينوشيه
بول الأشقر
حكمت المحكمة ونال الرئيس البيروفي السابق، ألبرتو فوجيموري (71 عاماً)، حكماً بالسجن 25 عاماً لاعتباره مسؤولاً عن مجزرتين وعن عمليتي خطف جرت خلال ولايته الأولى. وصُنّف فوجيموري بأنه مذنب بـ«جرائم ضد الإنسانية»، وقرّر فريق الدفاع استئناف الحكم وسط تظاهرات أنصاره، الذين اشتبكوا مع ناشطين في مجال حقوق الإنسان وأهالي ضحايا الرئيس الأسبق، الذي لا يزال يحتفظ رغم كل شيء، بشعبية مهمة في البلاد. بذلك، ختم القضاء حقبة سوداء غيّرت وجه «بيرو التسعينيات». حقبة رجل ظلّ مجهولاً حتى أشهر قبل انتخابه رئيساً. ابن مهاجرين يابانيين، مهندس زراعي وأستاذ رياضيات، ملقّب بـ«إلشينو»، أي الصيني، خاض حملة شعبوية معادية للسياسة. وخلف فوجيموري آلان غارسيا الذي وصل التضخم في عهده إلى أكثر من 7000 في المئة سنوياً، وحقّق مفاجأة بالانتصار على خصمه الكاتب الشهير ماريو فارغاس لوسا الذي كان فوزه مرجحاً.
ومع فوجيموري، دخل القصر الجمهوري مستشاره فلاديمير مونتيزينوس؛ رجل مطرود من الجيش ومحامٍ متخصّص بالتزوير وبتدبير جميع أنواع الصفقات. كُلّف مونتيزينوس بشؤون الأمن و«الحرب القذرة»، وتبنّى فوجيموري برنامج صندوق النقد الاقتصادي. حقق الرجلان نتائج باهرة في الاقتصاد وفي «الحرب على الإرهاب»، وارتفعت شعبية الثنائي إلى مستويات خرافية سمحت لهما عام 1992 بالقيام بما عرف بـ«انقلاب ذاتي»، أدى إلى حل المجلس وتجميد الضمانات القضائية وتعديل الدستور. جميعها خطوات أدّت إلى هروب عدد من السياسيين، ومنهم آلان غارسيا.
بنتيجة «الانقلاب الذاتي» دخل فوجيموري في عزلة دولية، غير أنّ تصديق الرئيس جورج بوش الأب وصندوق النقد الدولي على «فعلته»، سمح له بالعودة إلى منظمة الدول الأميركية وكأنّ شيئاً لم يكن. وبعد اعتقال زعيم مجموعة «الدرب المضيء» الماوية في نهاية عام 1992، أقرّ دستوراً جديداً أجاز له إعادة الترشح وبالفوز من الدورة الأولى عام 1995 على الأمين العام السابق للأمم المتحدة بيريز دي كويلار. حتى إنّ فوجيموري حلا له أن يقارن سيرته بالرئيس الأرجنتيني كارلوس منعم وبمجرم تشيلي أوغيستو بينوشيه، ولقّب نفسه بـ«شينوشيه».
وفي ولايتهما الثانية، لم يعد يردع الثنائي أي محظور. إلّا أن الكيل قد طفح عندما فاز فوجيموري بولاية ثالثة، بانتخابات مزورة عام 2000 على أليخندرو توليدو، لكنه لم يستطع الحكم إلا أشهراً معدودة بعدما خرجت إلى العلن تسجيلات كان مونتيزينوس يصوّرها لتوثيق رشى وصفقاته إلى جانب الرئيس.
غادر فوجيموري لحضور قمّة دولية في سلطنة بروناي من دون أن يعود، مفضّلاً طلب اللجوء السياسي في اليابان بما أنه كان قد حافظ على جنسيته اليابانية. ورفضت اليابان تسليمه إلى السلطات البيروفية. ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية عام 2006، غادر فوجيموري اليابان إلى تشيلي، في انتظار الفرصة المؤاتية للترشح مجدداً إلى الرئاسة. اعتُقل في سنتياغو في أواخر عام 2005، وسُلّم إلى ليما في أواخر عام 2007.
لم يعلق الرئيس آلان غارسيا بعد على الحكم القضائي بحقّ «عدوّه». وفيما تساءل فوجيموري في مرافعته الأخيرة «لماذا لم يحاكم سلفه أيضاً»، قرّر المحنّك غارسيا تشييد «متحف للذاكرة» وعيّن على رأسه فارغاس لوسا. هكذا أكمل التاريخ دورته من دون رفّة جفن.