روسيا أرادت استنساخ تجربة «الجيش الجمهوري الإيرلندي»موسكو ــ حبيب فوعاني
كانت الزيارة الأولى لرئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، خالد مشعل، إلى موسكو في آذار عام 2006، حدثاً مهماً للجانبين الفلسطيني والروسي. وقتها، أحرزت القيادة الروسية نصراً بدعوتها قيادة «حماس» على عجل إلى موسكو، بعد فوز الأخيرة في الانتخابات البرلمانية في 25 كانون الثاني من العام نفسه، لإجراء مباحثات معها. فنجحت موسكو في تسجيل بعض النقاط على حساب الغرب الذي وجد نفسه في مأزق لاعتباره «حماس» منظمة إرهابية.
وبهذه الخطوة، تابعت موسكو سياستها الجديدة التي بدأتها عام 2001، لاستعادة مواقعها في العالم عموماً، وفي العالمين العربي والإسلامي، التي اهتزت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.
أما بالنسبة لقيادة «حماس»، فإن حقيقة إجراء المحادثات في موسكو كانت أهم من الوصول إلى أي نتائج، لأن هذه الزيارة كسرت طوق الحصار الدبلوماسي الدولي التي حاولت إسرائيل فرضه على الاتصالات معها. أمر لم يكن سراً على الجانب الروسي. إذ قال رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس «الدوما»، قسطنطين كوساتشوف، إن «هدف المشاورات الجارية ليس الوصول إلى أي اتفاقات لأن ذلك يستدعي مساراً طويلاً».
وحينها، أعرب رئيس الوزراء الروسي الأسبق، يفغيني بريماكوف، لوكالة «إنترفاكس»، عن اقتناعه بأنه يجب ألا تعوق «القوى الخارجية» هذا المسار، وأن «مطالبة حماس بالاعتراف على الفور بإسرائيل هي خاطئة وغير مثمرة».
كما ذكر المستعرب غيورغي ميرسكي لصحيفة «إزفيستيا» (3 آذار 2006) أن الزيارة بالنسبة لـ«حماس» هي «اختراق دبلوماسي»، مضيفاً أنه «لو صرح ممثلو حماس في نهاية الزيارة أنهم مستعدون لتعديل موقفهم المبدئي، لفازت روسيا بنقاط كبرى. وفي هذه الحالة، ستظهر لاعباً من الوزن الثقيل يدير اللعبة باستقلالية، ويتوصل إلى النجاح هناك حيث لا يستطيع الغرب فعل شيء بسبب موقفه المتشدد».
ومع ذلك، فإن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الذي اعترف بأن روسيا لم تتوقع أن تغيّر «حماس» موقفها بين ليلة وضحاها، دعاها إلى التحول إلى «النضال السياسي والامتناع الكامل عن استخدام القوة، والتمثل بالجيش الجمهوري الإيرلندي الذي تخلى عن سلاحه»، مضيفاً «آمل أن يمر المسار السلمي عندكم أسرع مما في بريطانيا».
كان الجانب الروسي يعول على حدوث اختراق ما، وخصوصاً أن المباحثات جرت وسط غضب إسرائيلي، عبرت عنه صحيفة «هآرتس»، بالقول إن «روسيا بصقت في وجهنا».
وبما أن المفاجأة لم تحصل، اتخذ قرار روسي بالاقتصار على استقبال الوفد في وزارة الخارجية الروسية فقط، ولم يحظ رئيس المكتب السياسي لـ«حماس» خالد مشعل بلقاء الرئيس آنذاك، رئيس الوزراء حالياً، فلاديمير بوتين في الكرملين. واكتفى لافروف بالقول في ختام المباحثات إن الجانب الروسي أوصل إلى الجانب الفلسطيني الموقف الموحد للرباعية، وأهم نقاطه الطلب من «حماس» الاعتراف بإسرائيل.
واستمرت الاتصالات بين الجانبين عاماً كاملاً. وفي 25 شباط 2007، زار مشعل موسكو للمرة الثانية، ومع ذلك لم تتزحزح «حماس» عن موقفها، ما دفع بريماكوف إلى القول إن «حماس أضاعت فرصة ذهبية منحتها إياها موسكو».
كان حنق موسكو واضحاً. فهي لم تستطع تجيير ورقة علاقاتها مع «حماس» لتمثيل مصالحها أمام الغرب. وكان بريماكوف صريحاً حين قال «إذا كان أحد ما في العالم العربي يظن أنه يستطيع الجلوس في منزله واحتساء الشاي فيما يدافع عنه الآخرون ويدحرون أعداءه فهو مخطئ تماماً».
وجاء زلزال عدوان جورجيا على أوسيتيا الجنوبية في آب الماضي، الذي كان إيذاناً بهجمة دبلوماسية غربية تعرضت لها موسكو، تبعته الأزمة المالية التي استغلتها وسائل الإعلام المحلية والغربية ضد موسكو. على سبيل المثال، روّجت بعض الصحف لاستقالة رئيس الوزراء الروسي في القريب العاجل. فيما أشارت أخرى إلى خلاف بين بوتين والرئيس ديمتري مدفيديف.
حتى أن الغيوم السوداء باتت تحوم حول لافروف لسياسته السابقة المتشددة إزاء الغرب. وتلمح الصحافة الروسية نفسها إلى إمكان التضحية برأسه لتحسين العلاقات الأميركية ـــــ الروسية، وحلول نائب رئيس الوزراء الروسي سيرغي إيفانوف مكانه.
ساهم هؤلاء الصحافيون في تحويل كلمة «حماس» إلى شتيمة ومرادفة للإرهاب، رغم أنها لا تدخل هي أو «حزب الله» في قائمة المنظمات الإرهابية الرسمية الروسية. أمر يشير إلى بداية الجهل والابتعاد عن العالم العربي، والتعامل معه بوصفه «إرهابياً». فبعض ممثلي النخبة الروسية الجديدة الحاكمة على سبيل المثال، هم على ارتباط وثيق بالعالم الغربي، ولا يريدون معرفة شيء عن العالم العربي.
وعلى أي حال، يرى مراقبون أن موسكو تشعر الآن بـ«تعب المعادن» في علاقتها مع «حماس»، التي تقتصر الآن على مواصلة الحوار معها في محاولة «لرأب الصدع بين الفلسطينيين». وسرب مصدر حكومي روسي لصحيفة «معاريف» الإسرائيلية إبان جولة لافروف الأخيرة في الشرق الأوسط، بأن «مشعل شخص غير مرغوب فيه في موسكو»، مضيفاً أنه «يستطيع زيارة موسكو سائحاً وأن يتجول في الساحة الحمراء».
وتسعى موسكو لتحقيق حلمها المنشود بعقد مؤتمر سلام دولي خاص بالشرق الأوسط كمتابعة لمؤتمر «أنابوليس»، لا مكان فيه لـ«حماس»، أمر رحبت فيه إسرائيل. ومن هنا يفهم الصمت الروسي إزاء العدوان الأخير على غزة.


تطوّر نظرة روسيا إلى الحركة الإسلاميّةــــ في 23 آذار 2004، علق رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الاتحاد الروسي، ميخائيل مارغيلوف، على اغتيال زعيم «حماس» الشيخ أحمد ياسين، قائلاً إن «قتل العسكريين الإسرائيليين لياسين يعني أن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تقوم في الواقع بعمليات القضاء على التنظيمات الإرهابية». فيما أصدرت الخارجية الروسية بياناً مخالفاً، أدانت فيه «ممارسات التنكيل من دون محاكمة».
ــــ في 9 شباط 2006، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال زيارته إلى مدريد، إن «روسيا لم تعترف في يوم من الأيام بحماس كمنظمة إرهابية. ومن الضروري الاعتراف اليوم بأن حماس جاءت إلى السلطة في الإدارة نتيجة انتخابات ديموقراطية شرعية».