أثارت طروحات الرئيس الأميركي، باراك أوباما، خلال جولته في أوروبا وتركيا مخاوف حلفائه، فضلاً عن تأييده انضمام تركيا لحلف الأطلسي وحلّ الدولتين، فإنّ رؤيته لعالم غير نووي أفزعت باريس من أن يلجأ لتطويعها ونزع «نفوذها النووي»باريس ــ بسّام الطيارة
ملأت معظم المجلات الأسبوعية الفرنسية الـ«شعبوية» هذا الأسبوع صفحاتها الداخلية بصور الرئيسين الأميركي، باراك أوباما، والفرنسي، نيكولا ساركوزي، إلى جانب زوجتيهما، ميشيل وكارلا بروني. إلا أن التعليقات اكتفت بمقارنات اجتماعية سطحية لكيمياء التقارب بين الزوجين الرئاسيين، من دون أن تقارب الأبعاد السياسية لما بين الرجلين من طروحات متباعدة تزايدت أكثر مع تناول أوباما طروحات بشأن أوروبا، وخصوصاً مسألة «خفض أو نزع السلاح النووي».
ورحبت باريس بـ«نداء براغ»، حيث طرح أوباما خفض السلاح النووي تدريجاً للوصول إلى عالم خال من التهديد النووي تحت شعار «global zero». وصدر عن وزارة الخارجية بيان بهذا المعنى. كذلك وصفت مصادر في الإليزيه هذا الطرح بأنه «إيجابي جداً»، من دون أن يمنع هذا من تلمس بعض الضيق في الأوساط الفرنسية.
ضيق عبّر عنه المتحدث باسم وزارة الخارجية، إيريك شوفالييه، في رده على سؤال لـ«الأخبار»، إذ أشار إلى أن بلاده لا تسعى «إلى نزع شامل للسلاح النووي»، مشدّداً على وجود فارق كبير بين «نزع التسلح والحد من انتشار الأسلحة النووية».
و«سلاح الردع النووي الفرنسي»، الذي يوصف بـ«حامي الاستقلال الوطني» منذ عهد الجنرال شارل ديغول، هو محطّ «توافق بين كل القوى الفرنسية»، إلا بعض المجموعات على أطراف الخريطة السياسية؛ ومن هنا يأتي مصدر القلق الذي سببه «خطاب براغ»، ولا سيما أنه يأتي مباشرة بعد «عودة فونسا إلى قيادة حلف الأطلسي»، الذي غادره ديغول «للمحافظة على السلاح النووي الفرنسي».
ويتخوف الفرنسيون من «شمول النووي الفرنسي» في المفاوضات التي تستعد واشنطن لفتحها مع موسكو؛ ونظراً لـ«تواضع» الترسانة النووية الفرنسية، فإن أي «خفض متبادل» «سيجرّد باريس» من قوة ردعها. ويمكن حسب بعض المراقبين «أن تتشبث» باريس بردعها النووي، لكن سياق الأحداث اليوم يختلف كثيراً عن الماضي، فالعالم يعيش حالة «هلع مزدوجة» مالية اقتصادية من جهة، وخوفاً من وقوع السلاح النووي في أيادٍ إرهابية من جهة ثانية، ما يجعل حديث أوباما محط تقبل من الرأي العام العالمي، في ظل أجواء «أوبامانياً» مؤهبة لتقبّل كل طروحاته.
إلا أنه، حسب بعض الخبراء الفرنسيين، فإن «خطاب أوباما هو استباق لتأخير منتظر لبرامج التسلح النووي» بدأ يقلق «البنتاغون»، سببه الأزمة والعجز المالي الذي يعود لحربي العراق وأفغانستان. ويُشير هؤلاء إلى «بعض الديماغوجية» في تصريحات أوباما، الذي يطالب «بوقف شامل للتجارب النووية»، إذ إن فرنسا وقّعت على معاهدة بهذا الشأن يرفض الكونغرس توقيعها، وأوقفت برامج تجاربها عام ١٩٩٨، وهو ما لم يحصل من جهة الولايات المتحدة.
وتقول مصادر مقربة من الإليزيه إن طرح أوباما المتعلق بـ«وقف إنتاج المواد المشعة» غير صريح، مشيرة إلى أن فرنسا قد أوقفت مصنعين، بينما «لا تزال مصانع أميركا والصين تعمل بدفق عال». أما بالنسبة إلى عرضه المتعلق بالوصول خلال ٤ سنوات إلى «نظام ضبط كامل لسلامة المواد المشعة في العالم»، الذي سيكون موضوع مؤتمر عالمي يُعقد السنة المقبلة في واشنطن، فرأتها المصادر فكرة جديدة، لكنها أشارت إلى أن «التخوف الفرنسي هو أن تكون رقابة هذا النظام محصورة بين الروس والأميركيين» مع نوع من «إطار دولي غير مؤثر»، مثلما هو حال الوكالة الدولية للطاقة النووية.
وأكثر ما يتخوف منه الفرنسيون هو «مقاربة شاملة تبدأ من قاعدة هرم المخزن النووي»، الذي تملكه الدول ذات القدرة النووية «المعلنة أو غير المعلنة»، بحيث تتخلص كل الدول النووية من مخزونها قبل روسيا والولايات المتحدة، اللتين تمتلك كل منها نحو نحو عشرة آلاف شحنة، وذلك بأن يتم الدفع نحو اتفاق «بخفض متوازٍ لعدد الشحنات النووية»، مقابل تحفيزات اقتصادية وتقنية لكوريا (أقل من عشر شحنات)، وإيران (غير معروف)، فتُجَرَّد من شحناتها العسكرية، ليأتي بعد ذلك دور باكستان (٨٠ شحنة) والهند (١٥٠ شحنة) ومن ثم إسرائيل (٢٠٠ شحنة) وبريطانيا (٢٢٠ شحنة) قبل أن تصل «الموسى إلى ذقن فرنسا» (٣٠٠ شحنة).
يمثل هذا السيناريو كابوساً حقيقياً في حال الانطلاق فيه، لأنه ينزع من فرنسا «نفوذاً يتجاوز وزنها الاقتصادي»، ويُبرر مقعدها الدائم في مجلس الأمن، ويكون أوباما قد توصل إلى «تطويع فرنسا» وإدخالها تحت المظلة الأميركية، وهو ما عجز معظم رؤساء الولايات المتحدة عن فعله.