• الشعب الفلسطيني ضحيّة جرائمنا
• إطلاق وصف الإرهاب مؤذٍ للغاية
• متفائل بأوباما وأخشى سيطرة المال

أجرى الحوار في نيويورك نزار عبود
لا يفوّت وزير العدل الأميركي الأسبق، رامسي كلارك، فرصة لإطلاق مواقف مثيرة للجدل، من دعم الرئيس العراقي السابق صدام حسين إلى الدفاع عن إيران والتنديد بالحرب على قطاع غزة. وكان لـ«الأخبار» الحديث الآتي معه:

في دفاعكم عن حقوق الشعوب في تقرير مصيرها، كيف ترون حقها في مقاومة الاحتلال؟
ـــــ أعتقد أن الحق في مقاومة الاحتلال يكاد يكون حق الطبيعة. ماذا تفعل عندما يحتل أحدهم منزلك ويلقي بك إلى الخارج. لا بد لك أن تقاوم وأن تجد أساليب مقاومة فعّالة. وعندما تُغتال بطريقة منتظمة، وعندما تتعرض للعنف الذي يهبط عليك من السماء، لا يسعك أن تزحف إلى القبر، بل ستقاوم.

هل تنظرون إلى القضية الفلسطينية من منظار حق تقرير المصير لشعب واقع تحت الاحتلال؟
ـــــ لا أستطيع أن أرى القضية الفلسطينية إلا بهذا الشكل، ولا سيما أنني تعاطيت منذ خمسين عاماً مع هذه القضية محامياً عنها. وعملت مع منظمة التحرير الفلسطينية على مدى خمسة وعشرين عاماً. دافعت عنها عندما حاولوا طردها من الأمم المتحدة. لكن في النهاية القانون الدولي انتصر في محكمة أميركية من خلال المعاهدة المبرمة بين الأمم المتحدة والولايات المتحدة. شاهدت رئيس الجمعية العامة (ميغيل ديسكوتو بروكمان) يقول إن أكبر فشل للأمم المتحدة كان فلسطين. وإنني أوافقه الرأي. عصبة الأمم في 1922 رأت أنّ تأسيس دولة فلسطينية ذات سيادة واجب مقدس. القرار 181 (1947) هائل. يبدأ من الصفر ويرسم حدوداً، ويعالج قضايا ووعد بقيام دولة فلسطينية في موعد أقصاه تشرين الأول 1948 ودولة يهودية.
عندما بدأت أمثّل الفلسطينيين في 1974ـــــ1975 انجرفوا نحو حل الدولة الواحدة. ولم أستطع استساغة العملية، لأنني كنت أناضل من أجل الدولة الفلسطينية. صراع الدولة الفلسطينية دام لأكثر من قرن. صحيح أن حل الدولة الموحدة هو الحل المثالي، وسيكون معناه نهاية الصهيونية، لكن حل الدولتين أكثر معقولية على طريق السلام. وإنني أعتقد أن الدول، ولا سيما الولايات المتحدة، يجب أن تمد جسورها. فما ارتكبناه بحق الشعب الفلسطيني هو واحدة من أكبر الجرائم بحق الإنسانية.
ما حصل في غزة جعلنا نمرض. لكن هذا لا يقاس بما جرى في عام 1948. وبعض مخيمات اللاجئين لا تزال هناك في غزة منذ 1948. القانون الدولي موجود ويقول إن مقومات الدولة الفلسطينية قائمة. هناك الشعب الفلسطيني، حيث يقيم وهناك أرض. قد لا تكون كل الأرض، لكن هناك أرض بالفعل. هناك حكومة للشعب. ومن المأساة أن يكون هناك قطيعة بين الفلسطينيين، وإذا لم يلتئم الانقسام فإنهم سيفشلون.
وهناك مجال لإقامة علاقات دبلوماسية بعدما كان لمنظمة التحرير الفلسطينية بعثات دبلوماسية في دول عدم الانحياز، ربما أكثر من بعثات دول أخرى. واعتُرف بالدولة الفلسطينية في وقت ما بعد إعلان قيامها. لكنهم وجدوا أنها عملية مكلفة حسب معاهدة جنيف. ومن المحزن أن التاريخ ألحق الأذى بالشعبين الفلسطيني والإسرائيلي.
فلسطين هي رمز لمعظم الدول العربية، لأنهم يشعرون بأنهم لم يعاملوا معاملة حسنة. وهذا ينسحب على الشعوب الإسلامية الأوسع. ويتعين على الأمم المتحدة أن تصلح الوضع. يجب العودة إلى قرار مجلس الأمن 181، وهدم المستوطنات، وتدويل مدينة القدس مؤقتاً. والمؤقت قد يبقى لوقت طويل. وإذا لم تستطع الأمم المتحدة حلّ تلك القضية فإنها لا تستطيع حل قضايا أخرى كثيرة.

ما رأيكم في إخفاق الأمم المتحدة في وضع تعريف موحّد للإرهاب، وترك المسائل ملتبسة بالنسبة إلى الجميع؟
ـــــ أعتقد أن إطلاق وصف الإرهاب مؤذٍ للغاية، لأنه يفلت مشاعر شديدة. الصفة تعني أن ما يجري الحديث عنه هو شرّ ولا يستحق العيش، ويجب سحقه، غير آدمي، وهو يتجاهل مصير الإنسان بطريقة تثير الشفقة. يسلبون الإنسان كل ما يعتز به، ولا يتركون له شيئاً. فيحل اليأس محل الأمل. يجب تحاشي العنف قدر المستطاع. لكنك إذا تعرضت للسحق وأردت أن تبقى حياً، فعليك أن تخرج من موقعك السفلي.

ما هي توقعاتكم من إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما. هل ترون تغييراً حقيقياً على الطريق؟
ـــــ إنني متفائل. ترعرعت في أحضان حركة الحقوق المدنية، وإنني في غاية السعادة بأن أرى رئيساً يصل إلى سدة الحكم من أصل أفريقي ـــــ أميركي. لا أعرفه ولم ألتق به. لكنني أعتقد أنه شخص خارق الذكاء، وأنه يكترث للأخرين. إنه شخص نزيه، لكنه محاط بطاقم قديم يتسم بالعناد، المصارف لا تزال تسيطر على كل شيء رغم كل ما جرى. حتى بعد تأميمها ستبقى تسيطر كما أظن. إنه المال.
لكنني أعتقد أنه يفعل الكثير ضمن محدودية ما يمكن صنعه. وفي المقابل ترى أن الجمهوريين لم يستطيعوا الوقوف دعماً لبرنامجه ولا حتى بصوت واحد من أصل 435 نائباً. هذا النوع من الاصطفاف يجعل بلوغ حلول منطقية أمراً شبه مستحيل.

هل تتوقعون تغييرات أساسية في سياسة الولايات المتحدة الخارجية، وخاصة في موضوع شن الحروب على الآخرين؟
ـــــ الولايات المتحدة مارست طويلاً الرياء بالنسبة إلى دورها في العالم. إنها تتحدث عن الديموقراطية والحرية، بينما تعمل على إنتاج قنابل نووية تكتيكية لاستخدامها في الحروب التقليدية. تنتج قنابل قادرة كل واحدة منها على تدمير مدينة ونصف مدينة. وعندما تسعى دول أخرى إلى إنتاج أسلحة لحماية أنفسها تتصدى لها وتتهمها بالسعي إلى امتلاك أسلحة دمار شامل. نعم هناك عمل على إنتاج نوعين جديدين من القنابل النووية التكتيكية، لذا يجب أن نشعر بأن هناك مراجعة حقيقية للضمير الأميركي. ولا بد من محاكمة شخصيات مثل ديك تشيني، (نائب الرئيس السابق)، ورونالد رامسفيلد (وزير الدفاع السابق) ليشعر العالم بأن هناك تغييراً حقيقياً في السياسة الأميركية.


رامسي كلارك (81 عاماً) يعارض تقسيم الدول باسم حق تقرير المصير، رغم دعمه حق الشعوب في تقرير المصير، بما في ذلك حقها في مقاومة الاحتلال. ومن هذا المنطلق هو يرفض استقلال كوسوفو، ويفضل أن يرى الدول تتوحد وتكثر الاتحادات الفدرالية على غرار الاتحاد الأوروبي، لأن شرذمة الدول تؤدي إلى مزيد من سفك الدماء