في عددها الأول بعد الهجوم على مكاتبها في العاصمة الفرنسية باريس، تحجز مجلة «شارلي إيبدو» الساخرة غلافها، اليوم، لرسمٍ كاريكاتوري جديد للنبي محمد، يظهره ذارفاً دمعة حزن وحاملاً لافتة كُتب عليها «أنا شارلي»، على غرار المتضامنين مع المجلة، تحت عبارة «كلّ شيء غُفِر».
أصرّت الأسبوعية الفرنسية على أن تعيد نشر ما يعدّه كثيرون «رسوماً مسيئة» بحق النبي، ربما تجسيداً لرمزية أن «النبي بريء من الاعتداء». غير أن منظمات إسلامية عدة كان لها رأي آخر في هذا الخصوص، مثل دار الإفتاء المصرية التي حذّرت مما عدّته «استفزازاً غير مبرر لمشاعر مليار ونصف مليار مسلم»، خصوصاً في ظلّ الكشف عن 54 اعتداءً على المسلمين في فرنسا، منذ أسبوع.
في هذا الوقت، تتخذ تداعيات الهجوم منحىً أكثر ماديةً على الداخل الفرنسي، حيث بدأ القضاء بتفعيل تهمة «تبرير الإرهاب». وعلى هذه الخلفية، اعتقل أكثر من شخص في عدد من المحافظات الفرنسية، أمس، بتهمة «تأييد الهجوم على شارلي إيبدو». وبالتزامن، أكد الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، أمس، أن الخطر على بلاده «ما زال قائماً»، مضيفاً أن فرنسا «لن تنحني أبداً». وخلال حفل تأبين في باريس، للشرطيين الثلاثة الذي قتلوا في هجمات الأسبوع الماضي، قال هولاند: «فرنسا ستواجه منتصبة الخطر الذي ما زال قائماً من الخارج والداخل». هولاند الذي كرّم الشرطيين الثلاثة بإعطائهم وسام الشرف برتبة فارس، قال إن «الجنون الإرهابي لا لون له ولا دين، يكره السلام، والعلمانية، والتنوع»، مشيراً إلى أن «فرنسا لن ترضخ إنما تواجه بالقوة والقانون». ولفت الرئيس الفرنسي إلى «ثلاثة مبادئ» ستتبعها سلطات بلاده خلال المرحلة المقبلة، وهي: «الصرامة الأمنية تجاه الإرهاب، العمل بهدوء لمواجهة التهديدات، والوحدة الوطنية التي تعتبر السلاح الأقوى». من جهته، أعلن رئيس الوزراء الفرنسي، مانويل فالس، أن بلاده تقود «حرباً ضد الإسلاميين المتشددين وليس ضد المسلمين». وفي ختام جلسة لمجلس النواب الفرنسي، أمس، قال فالس: «هدفنا حماية مسلمي فرنسا القلقين من صعود الإسلام المتشدد»، مؤكداً في الوقت نفسه «ضرورة حماية المساجد».
وفي أول تجلّيات «رسمية» للمناخ الذي ساد في الأسبوع الأخير في فرنسا، أصدر القضاء الفرنسي للمرة الأولى إدانات بتهمة «التبرير العلني للإرهاب»، وهو جرم أدرج أخيراً في القانون الجنائي الفرنسي. وحكم على شاب في مدينة تولوز (جنوب غرب)، بالسجن 10 أشهر، بعدما أعرب في الترامواي عن «تضامنه مع منفذي الهجوم على شارلي ايبدو». وفي هذا الصدد، قال النائب العام، باتريس ميشال: «لقد طبقنا للمرة الأولى قانون 14 تشرين الثاني 2014 الذي يشدد إجراءات مكافحة الإرهاب». وأضاف: «ينبغي أن يحصل ذلك على جميع المستويات، على صعيد المواطنين، ولا سيما القضاة. ينبغي عدم التراجع ذرة واحدة». كذلك، حكم على شاب آخر بالسجن عاماً، بعدما نشر على موقع «فايسبوك» صور «جهاديين» وتصريحات تبرر هجمات باريس الدامية.
وقبل صدور عدد اليوم من المجلة، الذي طبع منه ثلاثة ملايين نسخة بأكثر بـ16 لغة، دعت أكبر منظمتين لمسلمي فرنسا، «المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية» و«اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا»، أمس، المسلمين إلى «التحلي بالهدوء» و«احترام حرية الرأي»، ضبطاً لردود فعلٍ محتملة على الرسم الكاريكاتوري الجديد للنبي. وحذرت دار الإفتاء المصرية، من «إقدام مجلة شارلي إيبدو الساخرة على نشر عدد جديد مسيء إلى النبي محمد»، رداً على الهجمات التي تعرّضت لها. وأكدت دار الإفتاء، في بيان، أن «إقدام المجلة المسيئة على هذا الفعل هو استفزاز غير مبرر لمشاعر مليار ونصف مليار مسلم عبر العالم يكنّون الحب والاحترام للنبي».
وترجمةً للمخاوف التي أثارها البعض على وضع المسلمين في فرنسا عقب الهجوم الدامي، أعلن «المرصد الوطني لمكافحة معاداة الإسلام»، عبر مسؤوله عبد الله زكري، أن «الإسلاموفوبيا تتصاعد ضد الأقلية المسلمة في البلاد»، منذ الهجوم الذي استهدف مجلة «شارلي إيبدو»، الأسبوع الماضي، مشيراً إلى أن نحو 54 اعتداءً تعرضت له هيئات ومساجد إسلامية في هذه الفترة. من بينها،21 واقعة إطلاق لرصاص وقنابل، وتهديدات لهيئات ومنظمات إسلامية بلغت 33 تهديداً، إلى جانب سبّ المسلمين بنحو غير مسبوق».
(أ ف ب، الأناضول)