يبدو أن الرئيس الأميركي باراك أوباما نجح في استغلال اقتراب أول قمة أميركية ليصدر قرارات «بالانفتاح على الشعب الكوبي»، وإن قفز فوق الحصار
بول الأشقر
عشيّة أول قمة أميركية ستجمعه برؤساء القارة، أقرّ الرئيس الأميركي باراك أوباما تغييراً ملموساً، ولو محدوداً، في العلاقات بين الولايات المتحدة وكوبا. نقطة بداية، وربما نقطة تحول في ملف معقد. إلا أنه لم يتطرق في قراره إلى موضوع الحصار الذي هو من صلاحيات الكونغرس، رغم أهميته في أي تفاوض بين البلدين.
وأعلن البيت الأبيض أول من أمس، تحت عنوان «رفع القيود عن العائلات»، في ما أراده «انفتاحاً على الشعب الكوبي»، تحرير السفريات والتحويلات المالية إلى كوبا للأميركيين من أصل كوبي الذين يقدر عددهم بمليون ونصف مليون مواطن. إضافة إلى هذه التدابير، أعلن بيان البيت الأبيض إجراء تسهيلات ومأذونيات جديدة في مجال المواصلات، تشمل الاتصالات الهاتفية الخلوية والخطوط البصرية وشبكات الإذاعة والتلفزيون بواسطة الأقمار الاصطناعية.
هكذا بعد طول انتظار، وسّع البيان الرئاسي لائحة العطاءات الإنسانية التي تحررت، والتي شملت الألبسة والحبوب والأدوية وغيرها، وقد استثنى من التسهيلات المتعلقة بالتحويلات والمواصلات والعطاءات، أعضاء الحزب الشيوعي الكوبي وموظفي الحكومة.
وفي الواقع، تعيد هذه القرارات الجديدة الوضع إلى ما كان عليه في أولى سنوات رئاسة جيمي كارتر، الفترة الوحيدة خلال 47 عاماً من الحصار التي عرفت العلاقات بين البلدين شيئاً من الحماوة، بإعطاء جرعة تمويل أولى للاقتصاد الكوبي تقدر بنحو نصف مليار دولار. وقد ارتفعت أسهم شركات قد تستفيد من هذه التدابير التي تمثّل على محدوديتها إعادة ترسيم لعلاقات اقتصادية كانت مخنوقة.
ومثّل البيان الرئاسي الأميركي وتوقيته «ضربة ذكية»، إذ سمح لأوباما بالوفاء بوعوده الانتخابية والتوجه إلى «قمة الأميركيات» حاملاً معه تدابير أولية تذهب في الاتجاه الصحيح ولا تستطيع كوبا أن ترفضها، لتسهل عليه طلب فترة سماح يستغلها لفتح مفاوضات مع كوبا، ما يسمح بالوصول إلى الجمعية العامة لمنظمة الدول الأميركية المنوي عقدها في بداية حزيران المقبل، وقد سارت الأمور على السكة وسحبت من التفاوض العلني.
وكانت الولايات المتحدة قد طلبت بوسائل متعددة عدم حصر شؤون قمة هذا الأسبوع بموضوع واحد، والمقصود كوبا. وهذا لا يعني أن الأخيرة ستكون غائبة عن القمة، على الأقل كلامياً. ففنزويلا وغيرها ستثير الموضوع في كل مداخلاتها، وقد دعت كراكاس إلى قمة لمجموعة الألبا عشية قمة ترينيداد لتوحيد الموقف من هذا الموضوع، وتأكد حضور راوول كاسترو، الغائب عن القمة الأساسية في هذه القمة التمهيدية.
والأهم من ذلك يتجلى في أن عدداً من الدول الأميركية اللاتينية النافذة، أمثال البرازيل والأرجنتين، تنوي شق دروب أكثر إبداعاً لتسريع مسار تحويل كوبا إلى «فيتنام كاريبي»، وللولايات المتحدة علاقة عادية مع فيتنام، وجعله «امتحاناً» لرغبة أوباما المعلنة بالعمل معهم شريكاً. وبكلمات أوضح، عدم انتظار ولاية أوباما الثانية كمقاربة واقعية لتطبيع العلاقات كما لمّح الوفد البرلماني الذي زار كوبا الأسبوع الماضي.
وأولى هذه الخطوات، إن لم تكن الوحيدة حسب هذه الدول، التفاوض الذي طلبه راوول كاسترو مراراً «سيادياً ومن دون شروط»، كذلك طلب حسب مصادر موثوقة من أصدقائه وحلفائه بعدم «كسر الجرة» في القمة، حيث يرجح أن يعين أوباما قريباً موفداً خاصاً لشؤون الأميركيات، ومن ضمنها كوبا، ما قد يمثّل بدء مسار التفاوض. إجماع الدول الـ34 المشاركة على أهمية هذه النقطة قد يؤدي أيضاً دوراً في تضييق هامش المناورة على الأقل حول نقطة البداية.
وقد بثّ التلفزيون الكوبي قرارات البيت الأبيض من دون تعليق، فيما عدّته الأوساط الكوبية المتطرفة المقيمة في ميامي، التي تحكمت خلال العقود الأخيرة بسياسة الولايات المتحدة في هذا الملف، بـ«الخطأ الفادح». لم يعلق الرئيس راوول كاسترو بعد على القرار، ومن المرجح أن يصدر عنه موقف في قمة كراكاس أو ربما قبلها.
في المقابل، كان «الصحافي» فيديل كاسترو أسرع المعلقين، وذكر أنه لم «يقل القرار كلمة واحدة عن الحصار الذي هو أقسى الجرائم وعواقبه ليست فقط اقتصادية»، إلا أنه برّأ أوباما من «جرائم أسلافه» قبل أن يعرض موضوعاً أهم من محتويات قرار البيت الأبيض.
ورفع كاسترو من لهجته وانتقد «القمم المجحفة وغير المتكافئة»، مضيفاً أنه «لا يبقى الآن إلا أن يقنع أوباما رؤساء أميركا اللاتنية بأنّ الحصار غير مؤذٍ» قبل أن يختم أن «كوبا قاومت وستستمر تقاوم، لن تمدّ يدها لتلقي حسنة، سيبقى رأسها مرفوعاً، ترأس أوباما الولايات المتحدة أو لا».