ثبّتت موقع الجيش كحارس للعلمانيّة ودعت إلى توسيع العفو عن «الكردستاني» وخطّت ملامح العلاقة بالساسةأرنست خوري
انتظر قائد الجيش التركي إلكر باسبوغ أكثر من 9 أشهر بعد تولّيه منصب القيادة ليطلق خطاباً تأسيسياً صحّ وصف صحيفة «حرييت» له بأنه «عقيدة باسبوغ».
خطاب دام أكثر من ساعتين أمام كلية القيادة الحربية في إسطنبول، أول من أمس، حدّد فيه خطوطاً عريضة لرؤيته لمشاكل بلاده ودور جيشه فيها. كل ذلك وضعه الجنرال في قالب «أكاديمي أتاتوركي»، متّكئ على أدبيات وكتابات فلسفية واجتماعية لعدد من الأسماء الكبار (مونتسكيو وماكس فيبر وصموئيل هنتنغتون)، ونطق به بهدوء «الحكيم» المترفّع عن صغائر الأمور، حاسماً في جوهر مبادئ جيش أتاتورك وجمهوريته حيناً، محذّراً مهدّداً وملوّحاً من مغبة عدم إطاعة تعليماته وتوصياته حيناً آخر، ومبدياً ليونة وتفهّماً غريبين عن أطوار جنرالات تركيا في أحيان أخرى، وخصوصاً في ما يتعلق بالتنوع الإثني والديني للدولة التركية. دولة لا وجود لأتراك فيها «لأنّ الكلمة تحمل معنىً إثنياً لم يرغب به أتاتورك، بل إنّ مواطنيها هم شعب تركيا لا الأتراك».
هكذا أرادها. خطبة تأسيسية في عزّ مرحلة يُقال إنّ سمتها الرئيسية تراجع دور الجيش وسطوته في السياسة والمجتمع على حساب مدّ إسلامي وضعه الجنرال في خانة محاولات تسييس الدين والإخلال بعلمانية الدولة.
صحيح أنّ قضايا مركزية غابت عن صفحات كلمته، وأبرزها قضية توقيفات جنرالات وضبّاط عصابات «إرغينيكون»، إلا أنّ هذا الموضوع لم يغب إلا بصيغته المباشرة عن خطاب باسبوغ. وبدا أن الرجل جدّد مفعول اتفاقه مع رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان وكشفه الإعلام التركي قبل أشهر، الذي أعطي أردوغان بموجبه «الإذن» بمواصلة مسلسل القضاء على «إرغينيكون» ورموزها. تجديد فهمته صحيفة «توداي زمان» المقربة من الحكومة الإسلامية عندما حلّلت كلامه الآتي: «لن نمانع حلّ المشاكل في إطار القوانين والقضاء». ملاحظة ذهبت الصحيفة الموالية إلى وضعها في إطار الردّ على الانتقادات العسكرية التي تعرض لها باسبوغ على خلفية «صمته» عن اعتقال عشرات الضباط الكبار والمتوسطين في الجيش.
ولأنّ باسبوغ أراد الظهور صارماً ومتسامحاً ديموقراطياً في آن، فقد مرّر الرسائل بانسيابية ذكيّة. وعن علاقة المؤسسة العسكرية بالسلطات السياسية المدنية، حدّد مفهوماً جديداً يجب أن تسير وفقه هذه العلاقة هو: «العلاقة الصحية الديموقراطية». وما لبث أن فسّر فهمه لهذا المصطلح عندما أشار إلى أنّه يتحقق عندما تلتزم السلطات السياسية المدنية بتوصيات الجيش، وإلا «فعلى هذه السلطات أن تتحمل مسؤولية فشلها في الالتزام بتوصياتنا»، بما أنّ «الكلمة السياسية الأخيرة تعود إلى السلطات المدنية»، على حد تعبيره.
وبما أنّ باسبوع ممنوع من التخلي عن غرور جنرالات تركيا، خلفاء أتاتورك الذي كرر اسمه عشرات المرات في كلمته، فقد وصل به الأمر إلى حدّ دعوة السياسيين الأتراك إلى الاتعاظ من خطأ الإدارة الأميركية التي «ارتكبت خطأً في غزوها العراق في عام 2003 وهي تعاني من مشاكل إثر ذلك، لأنّها في حينها لم تستمع إلى نصائح الجيش التركي».
وصلت رسالة الجيش إلى حكومة أردوغان، وحان وقت الهجوم: برّأ الرجل ذمّة الجيش من تهم معاداة الديموقراطية وممارسة الناس معتقداتهم الدينية في دولة مدنية علمانية، وسجّل اسمه ثاني قائد لجيش بلاده (بعد حلمي أوزكوك) يلمّح إلى أهمية الديموقراطية في تركيا، قبل أن يشير إلى وجود طرفين يهاجمان الجيش «لأنهما يدركان أنه الوحيد الذي يحمي المادة 24 من الدستور التي تمنع تسييس الدين».
لم يسمِّ هذين الطرفين، غير أنّ سياق كلامه يوضح أن المقصود هو الأحزاب الإسلامية من جهة، وحزب «العمال الكردستاني» من ناحية أخرى.
وفي ردّ غير مباشر على المطالب الأوروبية المزمنة بضرورة انتزاع الصلاحيات السياسية التي يتمتع بها الجيش التركي، لفت باسبوغ إلى أنّ هذه الصلاحيات التي يحتضنها «مجلس الأمن القومي»، تتناسق «مع الوضع الخاص والفريد للمجتمع والدولة في تركيا، وخصوصاً في الثقافة والأمن».
وعلّقت الصحف التركية أهمية كبيرة على تحاشي باسبوغ التوقف مطولاً على خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما في أنقرة الأسبوع الماضي. وقد اكتفى الجنرال بالإشادة بكلام أوباما عن أهمية أتاتورك وقيمه في تأسيس الجمهورية التركية.
وأجمعت الصحف في تركيا، على أنّ إحدى أبرز نقاط «عقيدة باسبوغ»، هي في الشق المتعلق بحزب «العمال الكردستاني» وبالأكراد الذين «يعيشون معاً إلى جانب بقية فئات شعب تركيا ويتشاركون المستقبل نفسه». وعن هذا الموضوع، لمّح باسبوغ إلى ضرورة تعديل «قانون التوبة» (العفو) بهدف توسيع إطار «إعادة الإرهابيين من الجبال»، وإنهاء الحرب «غير الإثنية» الدائرة منذ 30 عاماً، وذلك في إشارة مناقضة لما عُرف سابقاً عن الرجل من تشدّد كبير في موضوع «العفو» عن عناصر «الكردستاني».
ولأنّ «النموذج اللبناني» موجود في بال الجميع، كان لا بدّ لباسبوغ من تحذير «شعب تركيا» من خلق «أقليات» عبر الاعتراف بأي هوية دينية أو إثنية تفوق الانتماء إلى الأمة التركية، «وذلك لكي لا تتحول تركيا إلى ما يشبه لبنان أو العراق أو بعض دول البلقان».

وقال غول، في خطاب أمام المجلس الوطني البحريني (البرلمان) إن «استقرار البحرين ووحدة أراضيها مهمان بالنسبة إلى تركيا». وقد وضعت وكالات الأنباء كلام غول في خانة التعليق على الأزمة التي نشبت بين المنامة وطهران، إثر تصريحات إيرانية رأت البحرين أنها «تمس استقلالها وسيادتها».
(أ ف ب)