ها هو الرئيس الأميركي السابق جورج بوش يعود إلى الساحة السياسية، لكن هذه المرة عبر متحف ومعهد «لتخليد ذكراه ونقل رؤيته إلى الأجيال المقبلة». الديكور جديد، لكنّ المضمون نفسه؛ ديكور ومضمون «بوشيَّان» بامتياز
صباح أيوب
الرئيس جورج بوش جالس في مكتبه البيضاوي. ربطة عنق حمراء، ابتسامة معهودة ونظرات «جدّية» غارقة في ورقة يضع عليها بكل ثقة توقيعه الرئاسي. المكتب ذاته مع صور العائلة والبزة الرسمية والعلم الأميركي وعبارة «رؤية للمستقبل». هذه هي الواجهة التي يستقبلك بها الموقع الإلكتروني Georgebushlibrary.com على صفحته الأولى.
ثمّ تتوالى الصور الاستعراضية المدموغة بشعار الرئاسة الأميركية: الرئيس يخطب أمام مجموعة من العمال السود. جورج وزوجته لورا يتبختران في باحة البيت الأبيض. الرئيس يعتمر قبّعة تكساسية وتلفح وجهه أشعة الشمس. بوش يضحك ممازحاً مجموعة من النساء الأفريقيات خلال إحدى الزيارات. جميعها معطيات لإيصال رسالة واحدة: جورج بوش لا يزال رئيساً في «مركزه الرئاسي»، وهو صاحب «رؤية للمستقبل» عليه أن ينقلها إلى الأجيال المقبلة.
لقد قرّر الرئيس السابق، الأقل شعبية منذ 60 عاماً، ألا يختفي كلياً عن الساحة السياسية، فأنشأ مع «مجموعة من الأصدقاء والمحبين» مركزاً رئاسياً تعليمياً. وهل هناك أفضل من معهد أكاديمي يحمل اسم الرئيس ذي السمعة الأسوأ في تاريخ أميركا الحديث لتعليم أسس السياسة؟ حتى ولايته تكساس، فهي ترفض أن تعترف بنهاية عهد بوش الرئاسي، وتخصص له جناحاً كاملاً من جامعة Southern Methodist University في دالاس حيث يقام المركز. ويحتوي «مركز جورج بوش الرئاسي» على مكتبة ومتحف ومعهد تعليمي، وهو لا يزال قيد الإنشاء، لذلك فإنّ راية «تبرّعوا للمركز» تتدلّى على رأس جميع صفحات موقعه الإلكتروني. تحتوي المكتبة على أرشيف الوثائق الرسمية المتعلقة بالرئيس وعقيلته، وتجد فيها جميع القرارات التي وقّعها الرئيس خلال ولايتيه. ويعرض المتحف «المحطات التاريخية والمواقف المفصلية التي طبعت فترة بوش الرئاسية»، بحسب شرح الموقع. أما «المعهد السياسي»، فيرتكز على نشر أسس «الحرية واستغلال الفرص والمسؤولية». والهدف منه، وفق ما يوضح المركز نفسه، هو استقطاب أكبر عدد من الطلاب والمفكّرين «المهتمين برؤى بوش وسياساته». وتذكّر نصوص الموقع بخطابات بوش الطويلة، وجمله التي «لا تقول شيئاً في النهاية». فكرة رئيسية واحدة تلخِّص «فكر الرئيس»: بإمكان الرئيس جورج بوش أن يحقق شيئاً مفيداً للبشرية. ويجب على المواطنين أن يستفيدوا من فكره وخبرته. لكن الاستفاضة في التذكير بفكر الرئيس السابق ومبادئه السياسية و«خططه الناجحة» يغيب عنها أي مثل حسّي كان من الممكن أن يذكره الموقع في تقديمه. وقد وجّهت للمركز الذي سيفتتح قريباً تعليقات في الصحف الأميركية كان آخرها في «نيويورك تايمز»، حيث قال أحد المعلّقين إنه كان من الأجدى أن يُسمى المركز «معهد إدارة الفشل» لا «معهد الإدارة السياسية». كذلك تساءل عدد من الصحافيين عن جدوى إنشاء مركز كهذا، ساخرين من انضمام المجموعات التي تنتقد الرئيس الحالي باراك أوباما إلى «شبكة بوش».
والغريب في الموقع أنه عندما يرغب المتصفّح في التعرّف إلى الأعضاء الإداريين للمركز، يُطلعنا الموقع على سيرة ذاتية لبوش وأخرى لزوجته لورا. وهنا، لم ينسَ الرئيس أن يشير في نهاية سيرته إلى أنّ عائلته «تضمّ ابنتين توأمين والكلب بارني والكلبة «الآنسة بيزلي»! اكتملت الصورة.