خاص بالموقع | PM 11:21واشنطن ــ محمد سعيد
كثر الحديث، عشيّة بدء المبعوث الأميركي لتسوية الصراع العربي الإسرائيلي، جورج ميتشل، جولته الثانية في المنطقة الأسبوع الماضي، عن وجود خلافات بين حكومة الرئيس الأميركي باراك أوباما والحكومة الإسرائيلية الجديدة برئاسة بنيامين نتنياهو، ووزير خارجيته أفيغدور ليبرمان. ويعود ذلك إلى المقترحات المتباينة المقدمة حول تسوية الصراع العربي الإسرائيلي، إلى حد إثارة تساؤلات في الأوساط الأميركية عن قدرة الولايات المتحدة على ممارسة الضغط على إسرائيل لتغيير سياساتها والقبول بتسوية سلمية للصراع، وفق ما يسمى «حل الدولتين».
وفي ظلّ إحجام الحكومة الإسرائيلية الجديدة عن قبول أطروحة قيام دولة فلسطينية على أراضي الضفة الغربية وغزة، لم يبق أمام الولايات المتحدة للدفع بمصالحها سوى تبنّي سياسة متوازنة عن تلك التي انتهجتها حكومة جورج بوش السابقة، وممارسة ضغوط قوية على الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي حتى يتم التوصل إلى اتفاق.
وتساءل ستيفن وولت، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة «هارفارد»، في مقال له في مجلة «فورين بوليسي»، عما إذا كانت حكومة أوباما «تمارس الضغط على إسرائيل»، مشيراً إلى «ضرورة التعامل مع إسرائيل مثلما هي الحال مع غيرها من حيث توجيه انتقادات علنية وممارسة ضغوط واضحة مع عدم الإخلال بالتزامها بأمنها». وأوضح أن هذه الفكرة «بدأت تكتسب أرضية في الولايات المتحدة، تجلّت خصوصاص في تقرير أصدره مشروع الولايات المتحدة/ الشرق الأوسط، وهي مجموعة بحثية تضم عدداً من خبراء السياسة الخارجية والخاصة في المنطقة العربية».
ويدعو التقرير أوباما إلى «الانخراط في محاولات حاسمة ومتواصلة وفورية لحل الصراع العربي الإسرائيلي، ويؤكد أن ذلك سيتطلب مزيجاً من الإقناع والتحريض والمكافأة والضغط».
من جهتها، طالبت مجلة «إيكونوميست»، في افتتاحيتها الأسبوع الماضي، «بتقليص المساعدات الأميركية لإسرائيل إذا واصلت حكومة نتنياهو رفض حل الدولتين». في المقابل، أشارت تقارير إسرائيلية إلى أن أوباما يعد قيادات الكونغرس الأميركي للدخول في مواجهة محتملة مع حكومة نتنياهو.
وقال رافي مان، في صحيفة «معاريف» الإسرائيلية، «بالتأكيد توجد بعض الخلافات بين تل أبيب وواشنطن، وقد تتواصل خلال الأشهر المقبلة». وأعرب عن اعتقاده بأن «بعض الضغوط من جانب حكومة أوباما ستكون حتمية، وخصوصاً في ما يتعلق بقضية المستوطنات».
وبينما تعلم الولايات المتحدة كيف يمكنها الضغط على الفلسطينيين، إلا أنها ربما «لا تستبين ماهيّة الضغوط التي يمكن أن تمارسها على إسرائيل في ظل نشاط اللوبي الإسرائيلي». لذا، فقد طرح وولت في مقاله المطوّل ثماني أفكار، يمكن واشنطن أن تستخدمها للضغط على إسرائيل:
أولاً: تقليص حزمة المساعدات الاقتصادية والعسكرية التي تصل إلى 3 مليارات دولار سنوياً، أي ما يعادل 500 دولار لكل فرد في إسرائيل. غير أن وولت ينصح بألا تكون هذه أولى الخطوات في التعامل مع حكومة إسرائيل، إذ من شأن ذلك أن يثير ما سمّاه «مواجهة قبيحة» داخل الكونغرس في ظل النفوذ الكاسح الذي تتمتع به منظمة «إيباك» التي تمثل اللوبي اليهودي ـــــ الإسرائيلي، وجماعات إسرائيلية متطرفة أخرى.
ثانياً: تغيير لغة الخطاب من حيث تسمية السياسات الإسرائيلية بمسمّياتها، مثل الكف عن وصف سياسة الاستيطان الإسرائيلية بكلمات فاترة واستخدام عبارات أخرى، مثل أنها تنتهك القانون الدولي و«غير قانونية». كذلك يمكن المسؤولين الأميركيين أن يصفوا الاحتلال الإسرائيلي بأنه ينافي «الديموقراطية».
ثالثاً: تأييد قرار من الأمم المتحدة يدين الاحتلال الإسرائيلي بعدما ظلت الولايات المتحدة تعارض أي قرار يدين إسرائيل حتى إنها استخدمت حق النقض (الفيتو) ضد 43 قراراً منذ عام 1972 لإحباط أي محاولة لإدانة تل أبيب.
رابعاً: تقليص الترتيبات القائمة في ما يتعلق بالتعاون الاستراتيجي، وخصوصاً مشاريع التعاون بين البنتاغون والاستخبارات الأميركية من ناحية، والجيش والاستخبارات الإسرائيلية من ناحية أخرى. ويعتقد وولت أن بمقدور حكومة أوباما تأجيل أو تعليق مثل هذه اللقاءات أو البدء في إرسال مسؤولين على مستويات أقل إلى إسرائيل.
خامساً: خفض صفقات مشتريات وزارة الدفاع (البنتاغون) من الأسلحة الإسرائيلية التي تقدر بمئات الملايين من الدولارات. وأشار إلى أن أوباما يمكنه أن يصدر تعليماته إلى وزير الدفاع روبرت غيتس لإبطاء وتيرة أو خفض شراء هذه الأسلحة.
سادساً: تشديد القيود على المنظمات الخيرية الأميركية التي تجمع تبرعات معفاة من الضرائب لتمويل الاستيطان الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية، وهو ما يعني أن دافعي الضرائب الأميركيين يقومون بطريقة غير مباشرة بدعم الأنشطة الإسرائيلية المناوئة للسياسات الأميركية، وهو إجراء من شأنه أن يهدد مستقبل إسرائيل على المدى الطويل.
سابعاً: فرض قيود صارمة على ضمانات القروض الممنوحة لإسرائيل، بعدما قدمت الولايات المتحدة ضمانات لعشرات المليارات من الدولارات من القروض للدولة العبرية، ما ساعد الأخيرة على الحصول على أموال من المصارف التجارية بفوائد متدنّية.
ثامناً: تشجيع الحلفاء على استخدام نفوذهم وحثّ الاتحاد الأوروبي على عدم رفع مستوى علاقاته مع إسرائيل حتى توافق على إنهاء الاحتلال.
غير أن وولت نبّه إلى أنه لا يوصي بالضرورة بتطبيق كل هذه الأفكار دفعة واحدة أو بنفس الترتيب. وأضاف أن هذا ينبغي أن يتزامن مع «مواصلة الضغوط على حماس لتغير من مواقفها ودفع السلطة الفلسطينية لإقامة مؤسسات فلسطينية أكثر فاعلية».
وقال وولت إن الولايات المتحدة يمكن أن تضع إسرائيل أمام خيارين: إما إنهاء هذا الاحتلال للأراضي الفلسطينية وأن تعمل من أجل التوصل إلى حل الدولتين، ومن ثم تظلّ حليفاً عزيزاً للولايات المتحدة، أو أن تواصل توسيع احتلالها للأراضي الفلسطينية. وعليه، تواجه فقدان الدعم الأميركي ومعه العبء المكلف والثقيل الناجم عن حكم ملايين الفلسطينيين بالقوة.