انتهى أمس مؤتمر «دوربان2» من الناحية العملية، رغم أن أعماله ستستمر حتى يوم الجمعة المقبل، وسط حضور إسرائيلي مدني لافت، تضاعف أمس رغم المقاطعة والإدانة الرسمية من الدولة العبرية بسبب المشاركة الإيرانيّة

■ «دوربان 2» يقرّ بالإجماع إعلاناً جديداً حول العنصرية



جنيف ــ بسام القنطار
ردّت الجمعيات الإسرائيلية المشاركة في مؤتمر «دوربان 2» على خطاب الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، عبر المزيد من الأنشطة الدعائية التي هاجمت إيران. وعمدت إلى استقدام المزيد من المشاركين، الذين وصل عددهم إلى ما يزيد على 500 مشارك، بينهم 150 طالباً استقدموا أمس من كل الدول الأوروبية. وطرحت عملية استقدام المزيد من المشاركين علامات استفهام حول التسهيلات التي تقدّمها المفوضية السامية لحقوق الإنسان التي تتولى إدارة المؤتمر، إلى الجمعيات الإسرائيلية فيما انتهى باب التسجيل للمؤتمر منذ 30 آذار الفائت.
وأعلن رئيس المؤتمر، القاضي الكيني آموس واكو عن إقرار وثيقة المؤتمر بالإجماع، لكن على مستوى مجموعات العمل. وقال: «إنها لحظة تاريخية تُعتمَد فيها وثيقة متوازنة تظهر أن المقاطعة لا تساعد، بل إن المشاركة الإيجابية هي التي يمكن أن تؤدي إلى الإجماع»، مضيفاً أن «الوثيقة التي اعتمدت بالإجماع تؤكد أننا جميعاً ندرك حقنا في البقاء بأمن وسلام».
وقال واكو، مخاطباً نحو مئة ممثل للدول المشاركة في المؤتمر المكمّل لمؤتمر «دوربان 1»، الذي عقد في جنوب أفريقيا عام 2001: «أيها السادة، لقد اتخذتم القرار الرئيسي بتبني الوثيقة».
وعلّق أكثر من مراقب على أن إقرار الوثيقة بالإجماع هو أمر طبيعي، وخصوصاً أن التعديل الأخير الذي حصل في الاجتماع التحضيري قبل أسبوع لم يترك أي فقرة تثير تحفظاً أو تستدعي النقاش.
وكان مقرراً أن يُحال البيان الختامي على التصويت الجمعة، وهو اليوم الأخير للمؤتمر، لكن الدبلوماسيين قرّروا أن تكون هذه العملية غداة الهجوم الذي شنه الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد على إسرائيل، وما تبعه من انسحابات دول ومنظمات إلى خارج المؤتمر.
من جهته، نوّه القنصل الفلسطيني إبراهيم موسى بإقرار الوثيقة، مشيراً إلى أن الفقرة الأولى هي الأهم، لكونها تعيد تأكيد وثيقة «دوربان 1». ونفى الاتهام الموجّه إلى السفارة الفلسطينية في جنيف بتخلّيها عن الفقرة المخصصة عن فلسطين في الوثيقة. وقال لـ«الأخبار» إن «العبرة هي في التطبيق، لا في الوثائق المكتوبة».
ويتقاطع كلام موسى مع الخطاب المصري في المؤتمر، الذي رأى أن فلسطين أُنصفت عبر الفقرة الأولى التي شملت التأكيد على إعلان وبرنامج عمل دوربان اللذين اتفق عليهما في المؤتمر العالمي لعام 2001.
وتنص الفقرة 63 من إعلان عام2001، على ما يأتي: «إننا نشعر بالقلق إزاء المحنة التي يعانيها الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال الأجنبي. ونعترف بحق الشعب الفلسطيني الذي لا يقبل التصرف في تقرير مصيره وإقامة دولة مستقلة، ونعترف بحق جميع دول المنطقة، بما فيها إسرائيل، بأن تنعم بالأمن، وندعو جميع الدول إلى دعم عملية السلام واختتامها في وقت مبكر». أمّا الفقرة 65 فتنص على «حق اللاجئين في العودة طواعية إلى ديارهم وممتلكاهم بكرامة وأمان».
أما الإعلان الجديد فيخلو من أي إشارة إلى فلسطين أو منطقة الشرق الأوسط، ويكتفي بإدانة ظاهرة «الإسلاموفوبيا» والعداء للعروبة والسامية والمسيحية.
وكان المؤتمر قد تابع أعماله أمس، عبر سلسلة من الخطابات الرسمية بينها كلمة نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، الذي انتقد عدم التفات المؤتمر إلى التمييز العنصري الذي تمارسه إسرائيل في الجولان السوري المحتل وفي الأراضي الفلسطينية.
كذلك تحدث وزير الخارجية الفلسطيني، رياض المالكي، إضافة إلى مندوبَي قطر والبحرين، الذين ركزوا على جدار الفصل والمستوطنات والقدس وحق العودة.
وبالعودة إلى الأنشطة الإسرائيلية، نظّمت عدد من الجمعيات ندوة عن «الهولوكوست» في القاعة الملاصقة للقاعة الرسمية، حاضر فيها الثري الفرنسي هنريه ليفي، والممثل الأميركي جون فوت، والباحث الإسرائيلي آني بايفنسكي. وركزت المداخلات على إيران باعتبارها «الخطر الأكبر على مستقبل إسرائيل».
في هذه الأثناء، علا الصراخ في القاعة بالقول: «اقصفوا إيران قبل أن تنجح في تنفيذ هولوكوست جديدة بحقنا». وذهبت بعض المداخلات إلى تحميل الفلسطينيين مسؤولية «الهولوكوست» على خلفية المراسلات بين المناضل الفلسطيني عبد القادر الحسيني وأدولف هتلر.
بدورها، عبرت الناشطة الفلسطينية، رانيا ماضي، عن خيبة أمل كبيرة من المؤتمر «الذي يحرمنا أي أمل في إبراز الظلم الذي لحق بشعبنا جراء الاحتلال». وحتى مساء أمس كانت المنظمات الفلسطينية قد فشلت في مسعاها لتوفير قاعة لعقد ندوة أو مؤتمر صحافي يشرح وجهة النظر الفلسطينية.
بدوره، نوّه ناجي حرج، من اتحاد الحقوقيين العرب، بالنجاح اليتيم الذي تحقق عبر إعلان صدر عن المجتمع المدني تحت عنوان «إعلان جنيف 2009 ضد العنصرية». ويتضمن هذا البيان فقرة عن فلسطين.
وكانت المنظمات العربية قد خاضت مفاوضات حتى ساعات متأخرة من ليل أول من أمس، لإقناع بقية المنظمات بإدراج فقرة عن فلسطين. واللافت أن المنظمات الإسرائيلية لم تتدخل مباشرة في المناقشات، بل عمدت إلى وضع منظمات سودانية تدافع عن دارفور في الواجهة، حيث أصر هؤلاء على المساواة بين القضية الفلسطينية ودارفور، لا بل إلى القول إن ما حصل في دارفور يفوق بفظاعته ما حصل في فلسطين. وتضمنت الفقرة الفلسطينية مطالبة بمحاكمة مجرمي الحرب الإسرائيلية على خلفية حرب غزة الأخيرة.
كذلك فإن الطلاب اليهود الذين استقدموا أمس لم يحضروا الاجتماعات، بل عمدوا إلى التجوّل في الممرات والقيام بأعمال شغب والهتاف ضد الرئيس الإيراني، ما أدى إلى اعتقال بعضهم. وأدت مشادة كلامية بين رائد الموسوي، نجل الدبلوماسي الإيراني المفقود في لبنان حسين الموسوي، وأحد المشاركين الإسرائيليين، إلى تدخل من الشرطة التي عمدت إلى التفريق بينهما.

■ الإيرانيّون يستقبلون نجاد بالهتافات وباقات الزهوريبدو أن الدول الغربية التي حابت إسرائيل على مدى عقود، قد خططت قبل بدء مؤتمر «دوربان ــ 2» لملاقاة الرئيس الإيراني في أول الطريق، معلنة مسبقاً عدم قبولها لخطابه رغم أنه لم يتّسم بعدائية مزعومة
توالت الانتقادات الدولية للرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، أمس، غداة كلمته في مؤتمر الأمم المتحدة لمناهضة العنصرية في جنيف، فيما كان الإيرانيون ينتظرونه في مطار طهران مرحّبين، وسط مباركة البرلمان.
وأفادت وكالة «مهر» للأنباء أن «حشداً من المواطنين وطلبة الجامعات تجمّعوا في المطار وحوله واستقبلوا رئيس الجمهورية بحفاوة بالغة، حاملين باقات الزهور». وأطلقوا شعارات مثل «الموت لإسرائيل» و«معلمنا التعبوي حفظك الله»، ورفعوا لافتات كتبت عليها شعارات تتضمن «فضح الصهيونية في قلب أوروبا».
من جهته، هاجم الرئيس الإيراني «زيف شعارات حرية الرأي»، وقال إن أنصار الليبرالية يمثّلون الأقلية. وخاطب الشعب الإيراني بالقول «كونوا صامدين ومؤمنين ومتحدين، لأن مستقبلاً زاهراً مفعماً بالعزة والفخر ينتظر الشعب الإيراني والمجتمع الإنساني».
وأشار نجاد إلى «محاولة البعض إثارة الفوضى» خلال إلقائه خطابه في المؤتمر، مضيفاً أن «الذين فرضوا أنفسهم على الشعوب لأكثر من 50 عاماً برفعهم الشعارات الكاذبة في تحمّل الرأي الآخر وحرية الرأي، والتي أساؤوا من خلالها إلى الدين والقيم الإلهية، هم أنفسهم أثبتوا في المؤتمر الذي أعدّوا له أنهم غير مستعدين لتحمّل جزء من آراء معارضيهم».
وأعلن نواب مجلس الشورى الإسلامي، في بيان، دعمهم لـ«المواقف الحازمة» للرئيس الإيراني، مدينين «الممارسات المشبوهة للكيان الصهيوني وحماته للإخلال بالمؤتمر».
وجاء في البيان، الذي وقّعه 210 نواب وتُلي صباح أمس في الجلسة العلنية، أن «مؤتمر دوربان الثاني عقد في ظروف لم تنس فيها البشرية بعد الإبادة الجماعية التي ارتكبها الكيان الصهيوني ومجازر الأطفال والنساء في قطاع غزة».
من جهته، وصف المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية حسن قشقاوي تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، بشأن خطاب نجاد في جنيف، بأنها لم تكن في إطار مبدأ الحياد، وأنها ذات توجهات منحازة وغير منطقية. وتابع أن «الأوساط الدولية يجب أن تتحوّل إلى مركز لتبادل الآراء بصورة حرة»، قائلاً «إننا نأسف لأن بعض الدول الغربية تتّبع سياسة الصمت والتجاهل تجاه التوجّهات الجائرة لإسرائيل في ممارسة الإبادة العرقية والعنصرية، وقتل الأطفال والنساء والأهالي العُزّل والمضطهدين وفرض الحصار عليهم، وسلب حقوقهم في التمتّع بحياة طبيعية».
وكان بان قد دان تصريحات نجاد، وقال إن الأخير استغلّ كلمته لكي «يتهم ويشقّ الصف، بل ويستفز»، وهو ما يتعارض مباشرة مع هدف المؤتمر.
في هذا الوقت، أثنت الصحف الإيرانية المحافظة على خطاب الرئيس نجاد، فيما شددت الصحف الإصلاحية على الجدل الذي حرّكه. وأشارت صحيفة «كيهان» المحافظة إلى «حسن استقبال نجاد والحقد على إسرائيل العنصرية» في قاعة المؤتمرات في الأمم المتحدة.
وكتبت صحيفة «جامي جام» أن «خطاب الرئيس يثير غضب الصهاينة»، فيما رأت صحيفة «إيران» الحكومية أن «صرخة العدالة» التي أطلقها نجاد «أغضبت العنصريين الغربيين».
وعلى الجانب الإصلاحي، وصفت صحيفة «اعتماد» كلمة الرئيس بأنها «مثيرة للجدل»، وتحدثت صحيفة «اعتماد ملي» عن «حضور صاخب لنجاد في جنيف».
في المقابل، طالبت أمينة الدولة الفرنسية لحقوق الإنسان راما ياد بوجوب عدم ترك منبر الأمم المتحدة لـ«المتطرفين، بل يجب أن نكون حاضرين لنواجههم بنقد فوري». وأضافت، في حديث نشرته صحيفة «لا كروا»، أن «النص الذي يستخدم أساساً في المؤتمر.. متوازن ولا يتجاوز الخطوط الحمر التي حددتها فرنسا. وقد جرت تنقيته، وخصوصاً من تصريحات ذات مدلول معاد للسامية».
وأعلنت جمهورية تشيكيا أن جميع دول الاتحاد الأوروبي التي اختارت المشاركة في مؤتمر الأمم المتحدة لمناهضة العنصرية في جنيف، ما عدا براغ، قررت البقاء بالرغم من خطاب الرئيس الإيراني، أي ما مجموعه 22 دولة من أصل 27 في الاتحاد.
وقالت الرئاسة التشيكية للاتحاد الأوروبي، في بيان، إن «الاتحاد يرفض بأشد العبارات تصريحات الرئيس نجاد التي وصفت إسرائيل بالنظام العنصري». وأعلنت أنها تنسحب «نهائياً» من المؤتمر، وانضمت إلى الولايات المتحدة وإسرائيل وأوستراليا وكندا وألمانيا وإيطاليا وهولندا وبولندا التي قاطعت المؤتمر.
وقال المتحدث باسم المفوضية العليا الأوروبية بيار هازان «من مسؤولية الدول أن تسعى ليعالج هذا المؤتمر المشاكل الحقيقية المرتبطة بالعنصرية، ولتهميش تصريحات الرئيس الإيراني».
وتعليقاً على موقف الدول التي قررت مقاطعة المؤتمر في اللحظة الأخيرة، أكدت المفوضية العليا أنه «بما أنها شاركت في العملية التي أدت إلى تبنّي الوثيقة (الصادرة عن المؤتمر)، فستشارك يوماً أيضاً في تطبيق بنودها».
أمّا الدبلوماسي الروسي يوري بويشينكو، الذي أجرى المفاوضات بشأن مسوّدة الإعلان، فذكر أن «لا شيء في النص يبرر المقاطعة». وصرّح دبلوماسي أوروبي بأن «تصريحات الرئيس الإيراني لا تخلق بالتأكيد جواً ملائماً، لكن علينا تجاوزها».
(أ ف ب، مهر، أ ب، رويترز، يو بي آي)