بغداد ــ زيد الزبيديمنذ انتقال العراق إلى صفوف البلدان المحتلة، تعرفت الأُسر العراقية إلى آفات جديدة كالعنف الطائفي والتهجير القسري والاعتقالات الجماعية والهجرة، إضافة إلى أمراض اقتصادية واجتماعية عديدة.
وبعدما اختبرت هذه الأُسر صنوف الحرمان وشظف العيش في زمن النظام السابق بسبب فقدان المعيل، وغياب الرجال في جبهات القتال والمعتقلات، ومواجهة وحوش الغلاء والبطالة والحصار الاقتصادي منذ بداية عقد التسعينيات، ظلت الأسرة عرضة لأصعب الظروف من حرمان وعوز وتفكك، إذ تعرضت لطوفان العنف الطائفي الذي سلبها أمانها واستقرارها والكثير من أفرادها، فتغيرت هيكلية الأسرة مع غياب الرجال أو انسحابهم إلى الظل خوفاً على حياتهم.
وفائزة نموذج عراقي عن المرأة المعيلة لأسرتها. تخرج عند ساعات الصباح الباكر إلى «مسطر النساء» في منطقة الكاظمية في بغداد، لتنتظر فرصة عمل يوفرها لها أصحاب المشاريع الذين يحتاجون إلى أيدٍ عاملة موسمية. وتمارس فائزة حالياً أعمالاً متعددة، منها تنظيف المنازل المشيّدة حديثاً، أو إزالة الأنقاض، فضلاً عن عزل التمور الناضجة في موسم جنيها، وتنظيف الدجاج في مجازر ذبحه.
وتعاني هذه المرأة من خروجها اليومي لما تبذله من جهد عضلي لا يناسب سنها الصغير، وافتقار جسدها للعناصر الغذائية الجيدة التي تنعش طاقته، إضافة إلى تعرضها للتحرش باستمرار من أصحاب المشاريع أو حتى من زملائها العمال.
وتتذكر فائزة بحسرة كيف تركت عائلتها منزلها في إحدى المحافظات الجنوبية هرباً من الثأر، بعد تورط شقيقها الأكبر بأعمال عنف أدت إلى مقتل عدد من أبناء المحافظة. وحين استقر بهم الحال في أنقاض عمارة مهجورة، مع عائلات أخرى فقيرة ومهجرة، سلكت سبيل العمل أسوة بجاراتها من الفتيات والأرامل بعدما عجزت عن إيجاد عمل بديل مناسب لإعالة والدتها المريضة وشقيقيها الصغيرين، وخصوصاً بعد فرار شقيقها الأكبر إلى خارج البلاد.
وفي أماكن أخرى، هناك العراقيات المصرات على ممارسة «الأعمال الشاقة» بهدف إعالة أسرهن، فيقفن تحت ظروف جوية قاسية ليبعن الخضر والفواكه، أو يفترشن الأرصفة لبيع مختلف أنواع السلع.
ويرى الدكتور جاسم البكري، المتخصص في علم الاجتماع، أن الأسرة العراقية افتقدت إلى الأمان بفقدان المعيل الوحيد لها أو تعرضه للإعاقة بفعل الحروب وأعمال العنف، فتحولت أعداد كبيرة من النساء إلى أرامل، وتزايد عدد الأيتام، وتزايد بالتالي عدد النساء العاملات لغرض إعالة أسرهن، لا لتحقيق طموحاتهن الشخصية أو إثبات وجودهن.
وعلى الرغم من معاناة المرأة العراقية، يشير البكري إلى أنّ السنوات الأخيرة أثبتت تفوق المرأة على الرجل، سواء في تحصيل العلم أو اعتماد أسرتها عليها اقتصادياً، باعتبار أن المرأة باتت أقل تعرضاً للأخطار والمشكلات الأمنية من الرجل.
وبحسب البكري، فإنّ الخبراء والمتخصصين في علم الاجتماع يتوقعون استمرار تحمل المرأة مسؤولية إعالة الأسرة لوقت طويل، بينما تلفت الدكتورة خالدة القيسي، المتخصصة في مادة الاقتصاد في جامعة بغداد، إلى أنّ المرأة العراقية لا تحتاج إلى إعانات مالية بقدر حاجتها إلى مشاريع صغيرة تعمل فيها أو تديرها لتحصل على ربح يساعدها على تنظيم حياتها والاعتماد على نفسها.
وتعتقد القيسي أنّ عمل المرأة سيكون اللبنة الأولى في بناء المجتمع العراقي الحديث، لأنها لن تكون عالة على الدولة، وستقدم إنتاجها الذي يسهم في تسيير عجلة الاقتصاد.