جرى العرف أن تتدخل واشنطن في الشؤون الداخلية للدول باسم حقوق الإنسان، برضى الدولة المعنية أو رغماً عنها، وهو ما تم تقنينه باسم التدخل الإنساني؛ وعلى قاعدة العدالة والمساواة، يحق إذاً لأي دولة التدخل لمحاكمة منتهكي حقوق الإنسان في معسكرات التعذيب الأميركية
واشنطن ــ محمد سعيد
بعد كشف الرئيس الأميركي، باراك أوباما، عن الوثائق السرية الخاصة بتحقيقات وكالة الاستخبارات المركزية «سي آي إيه» و«البنتاغون» ومعسكرات الاعتقال التي تضمنت انتهاكات وتعذيباً، توالت تداعيات هذا الأمر على صعيد تحميل المحققين والمسؤولين السابقين في إدارة الرئيس السابق جورج بوش المسؤولية وتعريضهم للمحاكمة.
وذكر مسؤولون في الأمم المتحدة ومحامون في مجال حقوق الإنسان أن القضاء الأوروبي قد يحقق مع هؤلاء المسؤولين للاشتباه بانتهاكهم الحظر الدولي على التعذيب، إذا لم يُحاسبوا قانونياً داخل الولايات المتحدة.
وذكرت صحيفة «واشنطن بوست»، أمس، أن عدداً كبيراً من المسؤولين الأوروبيين ومجموعات تُعنى بالحريات المدنية أُصيبوا بخيبة أمل من معارضة أوباما لمحاكمة محققي الـ«سي آي إيه» الذين عرّضوا المشتبه فيهم بالإرهاب لتقنية «الإيهام بالغرق» وغيرها من تقنيات التحقيق القاسية. وأضافت أن الكشف الأسبوع الماضي عن مذكرات سرّية لوزارة العدل سمحت باستخدام مثل هذه التقنيات ستجعل من الأسهل على الادعاء الأجنبي فتح تحقيقات إذا لم يقم المسؤولون الأميركيون بذلك.
وترك أوباما الباب مفتوحاً أمام إمكان محاكمة هؤلاء المسؤولين، عبر قوله إنه سيترك لوزير العدل، إريك هولدر، أمر البت في مسألة الملاحقة القضائية للمسؤولين في إدارة بوش الذين أعطوا الضوء الأخضر لاستخدام تقنيات استجواب مثيرة للجدل. وطرح إمكان تأليف لجنة من الحزبين الجمهوري والديموقراطي للنظر في مسألة معاملة المشتبه فيهم بالإرهاب.
ويخالف الإعلان الأخير لأوباما تصريحات سابقة، قال فيها إنه لا يرغب في ملاحقة عناصر وكالة الاستخبارات الذين شاركوا في وسائل التحقيق، ما داموا قد قاموا بذلك في إطار الأوامر الصادرة إليهم من القيادات الأعلى.
من جهة ثانية، كشف تقرير نشرته لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، أول من أمس، استناداً إلى مذكرات سرية سابقة ومقابلات، أن المسؤولين في وكالة الاستخبارات ووزارة الدفاع أعدّوا تقنيات لاستجواب الموقوفين من تنظيمي «القاعدة» و«طالبان» عام 2002، ومنها الإيهام بالغرق وتسع تقنيات أخرى، قبل 8 أشهر من حصولهم على موافقة من وزارة العدل.
ويتضمن التقرير نتائج التحقيق الذي يحتوي على وثائق وتحذيرات من خبراء ومدرّبين من مغبة استخدام هذه التقنيات التي يمكن أن تؤدي إلى نتائج عكسية وتمثّل انتهاكاً للقانون الدولي. ومن ضمنها تحذير من عقيد في الجيش من أن الإكراه يقلل من مصداقية المعلومات لأن الشخص يقول ما يعتقد أنه سيوقف الألم. وأكد التقرير أنه فور الموافقة على أساليب الاستجواب، بدأ اعتمادها في السجون السرّية للـ«سي آي إيه» والبنتاغون ومعسكرات الاعتقال في غوانتنامو وأفغانستان والعراق.
وقال رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، كارل ليفن، إن النتائج الجديدة تُظهر وجود صلة مباشرة بين القرارات السياسية الأولى والتقارير عن انتهاكات فادحة لحقوق المعتقلين في السجون كسجن أبو غريب في العراق.
ويُتوقع أن يؤدي التقرير، الذي يقع في 261 صفحة، إلى مزيد من الضغوط على البيت الأبيض للسماح بإجراء تحقيق مستقل للممارسات التي اعتمدت خلال ولايتي بوش.