بيان أممي يحمّل «نمور التاميل» مسؤوليّة مقتل المدنيّيننيويورك ـ نزار عبود
منذ عدوان تموز 2006 على لبنان، فقد مجلس الأمن الدولي دوره الرئيسي القاضي بحفظ الأمن والسلم الدوليين. امتنع عن الدعوة إلى وقف النار في العديد من النزاعات المسلحة. وبعد غزة تأزّم الوضع في منطقة فاني الواقعة شمال جزيرة سريلانكا، التي تواجه مصرع الآلاف منذ تجدد القتال في 20 كانون الثاني الماضي بين القوات الحكومية وثوار النمور التاميل. صراع يعود عهده لأكثر من ثلاثة عقود.
وفي ساعة متأخرة من مساء أول من أمس، وبعد الاستماع إلى إحاطة عن الوضع قدمها رئيس الأركان في مكتب بان كي مون، بايجاي نامبيار، الذي زار كولومبو أخيراً، وعقب مشاورات مغلقة جرت في دهاليز الأمم المتحدة، لا في غرف مجلس الأمن أو قاعته، صدر عن المجلس بيان، لا صحافي ولا رئاسي، غير ملزم. بيان كان مليئاً بالألغام والعبارات الجديدة التي تصلح للقياس عليها في الأزمات المقبلة، ويعد سابقة غير مألوفة في أعمال الأمم المتحدة.
بيان تضمن دعوة إلى ثوار التاميل، الذين وصفهم بـ«الإرهابيين»، إلى إلقاء السلاح فوراً، والتوقف عن استعمال المدنيين «دروعاً بشرية»، وعودة منزوعي السلاح إلى طاولة المفاوضات بصفة مدنيين. كذلك دعا إلى السماح للمدنيين بمغادرة المنطقة المستهدفة بكل أنواع الأسلحة من القوات الحكومية، التي منعت المراقبين الدوليين والصحافيين من الاقتراب من ساحة المعركة.
البريطانيون والفرنسيون والأميركيون والصينيون والروس جميعاً كانوا قلقين من حجم الخسائر البشرية. لكن بعضهم كان يرفض التدخل «في شأن داخلي» خشية القياس عليه. مع أنّ الكثير من المراسلين وصفوا الوضع بأنه يشبه ما جرى في غزة من اعتداء جنس على آخر بناءً على أساس عرقي. وإذا نظر إلى النزاع من هذه الناحية، يصبح نوعاً من الإبادة الجماعية على أسس عنصرية.
منظمة «هيومان رايتس ووتش»، التي رفعت صوتها عالياً منذ أسابيع مطالبة المجتمع الدولي بوقف المجزرة في سريلانكا، رحبت بتأخير صندوق النقد الدولي تقديم دعم مالي لحكومة كولومبو بقيمة 1.9 مليار دولار. دعم لو حصلت عليه الحكومة لعززت قواتها المسلحة وبنت معسكرات اعتقال في المنطقة الشمالية من الجزيرة بعد تدمير مدن وقرى بأسرها. لكن التأخير لم يعرقل سير المعارك التي تبدو على مشارف مجزرة كبيرة.
والجدير بالذكر أن عدداً كبيراً من المحتجزين في منطقة النزاع تابع إلى الأمم المتحدة، وهم من السكان المحليين. وعندما ووجه مندوب سريلانكا الدائم في الأمم المتحدة، باليها كارا، بسؤال عن سبب احتجاز موظفي المنظمة الدولية، قال: «إنهم من مواطنينا ممن يعملون لدى الأمم المتحدة وكانوا في منطقة عمليات نمور التاميل، واليوم شأنهم شأن أي مشردين، يبقون في المراكز المخصصة للتدقيق في أوضاعهم».
تجاهل القوانين الإنسانية وقوانين الحرب لم يجر في غزة وحدها، بل تجاهلت الأمم المتحدة كل التجاوزات التي تجري في سريلانكا، بما في ذلك احتجاز موظفي الأمم المتحدة نفسها. ولم يدع الأمين العام للمنظمة، ولا مجلس الأمن الدولي، إلى وقف لإطلاق النار حقناً للدماء، مع أنه يعدّ بكل المعايير أضعف الإيمان، والعلة الأساسية لإنشاء الأمم المتحدة. وجاء تحميل الثوار التاميل مسؤولية استخدام المدنيين دروعاً بشرية ومطالبتهم بإلقاء السلاح تبريراً لقتل القوات الحكومية المدنيين، بحجة أنهم يقعون في منطقة نزاع. فالقانون الدولي يمنع إطلاق النار على المتمردين إذا كانوا بين مدنيين.
وكان مدير عمليات «الأونروا» في غزة، جون غينغ، قد ردد مراراً روح القانون الدولي بالنسبة إلى أوضاع المدنيين في مناطق النزاعات المسلحة، قائلاً: «لا يجوز أن تقتل الرهائن لكي تقتل الخاطف».
في هذه الأثناء (أ ف ب، أب، رويترز)، لا يزال «نمور تحرير إيلام التاميل»، المحاصرون في منطقة محدودة في شمال شرق البلاد، يقاومون الجيش السريلانكي، الذي أعلن أن المتمرّدين لم يعودوا يسيطرون إلا على منطقة لا تتجاوز مساحتها 10 إلى 12 كيلومتراً مربعاً، ولا يزال آلاف المدنيين عالقين فيها بسبب المعارك.
وقال المتحدث باسم القوات المسلحة السريلانكية، الجنرال أودايا ناناياكارا، إنّ «معارك تدور بين حين وآخر، لكن أولويتنا هي إجلاء المدنيين». وأضاف: «سنقضي على المتمردين بسرعة فور مغادرة المدنيين المنطقة».
وفي السياق، رأت الأمم المتحدة أنّ فرار أكثر من 100 ألف شخص من منطقة الحرب في سريلانكا يمثل عبئاً على مخيمات اللاجئين. وقال المتحدث باسمها، جوردون وايس، إنّ ما بين 90 ألفاً و100 ألف فروا من منطقة الحرب منذ الاثنين الماضي، وسينضمون إلى 80 ألف شخص موجودين بالفعل في مخيمات اللاجئين بعيداً عن جبهة القتال.
وأضاف وايس: «هناك تكدس خطير في المخيمات، وستتدهور الأوضاع في الأيام المقبلة. إنه نزوح جماعي هائل يهدد بإرباك النظم المتاحة».