يختتم مؤتمر «دوربان 2» أعماله اليوم، وسط انطباع بأن المنظمات اليهودية الصهيونية نجحت في «اختطافه» بسهولةٍ سمح بها ضعف المشاركة العربية في فاعلياته
جنيف ــ بسام القنطار
تميز مؤتمر «دوربان 2» بحضور قوي ومنظم للمنظمات الصهوينية، إن داخل القاعات أو في الكواليس، ما مثّل فرصة لرصد أداء هذا «اللوبي» الذي يمتلك إمكانات كبيرة، لكنه أيضاً يعاني ثغرات كان يمكن الاستفادة منها، في ما لو خطط أنصار القضية الفلسطينية لجعل جنيف «ساحة خيلهم».
ورصدت «الأخبار» مجموعة من المشاهد المتعلقة بكيفة استغلال المنظمات الصهيونية للمؤتمر منبراً لاستدرار التعاطف. وفي السياق، كان لافتاً استقدام اللوبي اليهودي لعدد من عائلات ضحايا الهجمات الفلسطينية على الحافلات الإسرائيلية. وكان من بينهم والد طفلة إسرائيلية قتلت في إحدى الهجمات الفلسطينية، رون كهرمان، الذي تعمد التحدث إلى كل الصحافيين الموجودين. وكان يردد جملة واحدة باستمرار على مسامع الجميع: «ابنتي تال كهرمان كانت تحب أن تكون هنا لكنّ انتحارياً فلسطينياً قرر أن يضع حداً لابتسامتها». ليقوم بعدها بإخراج صورة لابنته ويقول: «انظر في الصور. أليست جميلة. انظر إلى ضحكتها... لن تستطيع تال أن تضحك بعد اليوم».
ورون، الذي كان يرفض إكمال الحديث في ما لو شعر بأن من يقف أمامه لم يبد تعاطفاً وتفاعلاً فورياً مع جملته، لم يكن سهلاً إقناعه بأن هناك أطفالاً آخرين حرموا البسمة والضحك أيضاً. ولأن «الصورة أبلغ من الكلام أحياناً»، احتاج إقناعه إلى التوجه برفقته إلى أحد أجهزة الكمبيوتر وكتابة عبارة «عائلة السموني» في قسم الصور في محرك البحث على الإنترنت. نظر رون إلى الصور بتمعّن، وبينها صورة طفلة من عائلة السموني مدفونة تحت التراب ولا يظهر إلا رأسها. وسأل كيف قُتلت هذة الفتاة؟ فهل كان صعباً استقدام أحد الناجين من عائلات السموني، ليقف أمام الحاضرين في المؤتمر ويجيب عن سؤال رون كهرمان.
كذلك كان من الملاحظ الاحتكاك والتوتر بين المنظمات الصهونية والجمعية اليهودية الشهيرة «ناتوري كارتا»، التي ترفض فكرة إقامة دولة يهودية في فلسطين. ولم يكفّ الطلاب اليهود الذين استقدموا من فرنسا لحضور المؤتمر عن مضايقة ممثل الجمعية، الحاخام يسروئيل وايز، بكل الوسائل. لكن الحاخام، الذي يضع علم فلسطين على صدره، كان يقول في كل مرة يتعرض للمضايقات: «نعم لليهودية، لا للصهيونية». ثم يرفع يديه إلى السماء ويقول بالعبرية: «أسألك بركتك وسلامك من الأعالي».
كذلك شملت نشاطات اللوبي الصهيوني مخاطبة الوزير الإسرائيلي السابق ناتان شارنسكي، لحشد من مؤيدي إسرائيل، مساء أول من أمس، أمام المبنى الرئيسي للأمم المتحدة. وتحدث شارنسكي عن سنوات سجنه في الاتحاد السوفياتي وعن إسرائيل «واحة الديموقراطية في الشرق الأوسط». وأثناء إلقاء كلمته، مرت تظاهرة من عشرة أشخاص يحملون الأعلام الفلسطينية بالقرب من التجمع وهم ويصرخون: «الحرية لفلسطين». لكن الشرطة سارعت إلى اعتقال المتظاهرين لانهم لا يملكون ترخيصاً.
وفي مقابل النشاطات الصهيونية المتنوعة، اقتصرت النشاطات الداعمة للقضية الفلسطينة على تظاهرة للجالية الإيرانية، واجتماع لمنتدى المنظمات غير الحكومية. فبعد ساعة على التظاهرة الإسرائيلية، تجمع أكثر من 300 من أعضاء الجالية الإيرانية في جنيف والجمعيات الإيرانية المشاركة في المؤتمر، أمام قصر «ولسون»، حيث تقيم المفوضة السامية لحقوق الإنسان. وبدأوا يهتفون «عاشت فلسطين». ولم يشارك الكثير من العرب في هذا التحرك، على الرغم من حيازته الترخيص. وفيما بقيت أسباب المقاطعة من دون توضيح، كان الهمس في أروقة المؤتمر يختصر السبب بأنه «لا نريد أن تزايد إيران على قضيتنا».
كذلك عقد المشاركون في منتدى المنظمات غير الحكومية أمس اجتماعاً للبحث في آلية نشر إعلان يورد فقرة عن القضية الفلسطينية، ولكنه لا يُلزِم إلا المنظمات الموقِّعة عليه. وفي السياق، قال جون لون، الذي أسهم في عقد المؤتمر، لـ«الأخبار»: «لا نستطيع أن نكمل هكذا، الصوت العربي يجب أن يكون أكثر قوة وفعالية». وسأل ساخراً: «فلسطين تقع في العالم العربي أليس كذلك؟».
أما المشهد الأخير فكان لمنسِّـق مجموعة المنظمات غير الحكومية من أميركا اللاتينية، مبيرتو براون، الذي كان ينشد شعراً يقول: «ليست لدينا لُغات، بل لهجات، ولا نتوفّر على أديان، بل على أوهام وأساطير. ليست لدينا أسماء، بل أرقام»، لينتقد عدم وجود ذكر للديانات ذات الأصول الأفريقية في بيان المؤتمر.
وفي السياق، قال براون: «إنهم يقولون إنها ممارسات شيطانية، فيما هؤلاء القدِّيسون وهذه الروحانية وهذا التصوّف، هم الذين سمحوا للعبيد المقيَّدين بالسلاسل بالبقاء على قيد الحياة في السُّفن والمزارع».