أرنست خوريأجريت الانتخابات التشريعية في تموز وحقق فيها الحزب الحاكم نتيجة كاسحة بضمانه نحو 47 في المئة من أصوات الأتراك، وهو ما مكّنه من انتخاب غول في 28 آب بغالبية كبيرة. هكذا أُبطل مفعول التهديد المباشر الذي أطلقه إعلان 27 نيسان 2007، الذي قال لـ«الإسلاميين» إنّ الجيش «لن يقف على الحياد في النقاش الدائر حول العلمانية في البلاد»، وأنه سيبقى «إلى جانب القوى العلمانية ضدّ العقلية الإسلامية السياسية الرجعية التي تهدّد مبادئ الجمهورية».
ولم ينسَ قائد الجيش تذييل بيانه بتهديد ذكّر بحكم الجنرالات ومفاده بأن «الجيش سيتدخّل لينهي هذا النقاش الذي يقلقه في الوقت المناسب».
وكان حزب «الشعب الجمهوري» كعادته محرّض الجيش في الإعلام، إذ إنه فتح نيرانه ضدّ غول باكراً، ومنذ إعلان رئيس الحكومة ورئيس الحزب الإسلامي المعتدل، رجب طيب أردوغان، أن مرشحه للرئاسة هو غول نفسه. وفور خروج اسمه إلى العلن، تعهّد «الشعب الجمهوري» بالانسحاب من البرلمان «إذا انتخب رئيساً زوجته ترتدي الحجاب الإسلامي»، في إشارة إلى السيدة الأولى لاحقاً خير النساء غول.
واليوم، بعد عامين من «الهزّة الأرضية السياسية» التي أحدثها بيان 27 نيسان، يجمع الأتراك على أنّ ما أحبط الانقلاب حينها، لم يكن سوى ردّ الحكومة على بويو قانيت، في سابقة تاريخية تجرأ فيها أحد الأطراف المدنيين على الرد على الجيش. تغيّر الكثير منذ ذلك التاريخ حتى اليوم. ثبّت «العدالة والتنمية» أقدامه في الحكم، وقلّمت أظافر الجيش، الذي بات يعمل في السياسة وفق رؤية قائده الجديد إلكر باسبوغ، الذي جمع تعليماته في «عقيدة باسبوغ» التي جاءت مضامينها بعيدة عن لغة التهديد ومقتصرة على التمسك بحسن العلاقة مع السياسيين المدنيين، لكن دائماً على قاعدة احترام القواعد العلمانية والديموقراطية.
ويرى عدد كبير من الأتراك اليوم، صحافيين ومراقبين ومحللين، أن بيان 27 نيسان 2007 نفسه، حفر قبر دور الجيش في السياسة، على شاكلة ما كان يحصل قبل هذا التاريخ. فبعد أيام فقط من ذلك اليوم، انطلقت الحملة الوطنية القضائية ضدّ تنظيمات «إرغينيكون». حملة، ظهر في ما بعد، أن لا قوة في تركيا باتت قادرة على إيقاف تداعياتها رغم ما أظهرته التحقيقات وجلسات المحاكمات من أن هذه العصابات تأسست على أيدي قادة الجيش التركي لتكون اليد الضاربة بقوة ومنفذ «المهمات القذرة» باسم «الدولة العميقة» ضدّ كل من الأكراد والشيوعيين والإسلاميين.
في هذه الأيام، وفي الذكرى الثانية لبيان 27 نيسان، يحاول قادة الجيش التركي تحاشي تبرير ما تأتي به تحقيقات «إرغينيكون» من جديد، بدل مهاجمة الحكومة والإسلاميين. آخر الغيث أنّه يوم الأربعاء الماضي، عُثر على كميات هائلة من السلاح الخفيف والمتوسط والثقيل في مخازن سرية لـ«إرغينيكون». خبر عادي. لكن الخبر غير العادي أبداً أن هذا السلاح أُخذ من مخازن الجيش ويحمل الأرقام التسلسلية لذخيرة الجيش وحلف شمالي الأطلسي، وهو من تصنيع «مؤسسة الصناعات العسكرية الميكانيكية والكيميائية» التي تصنّع سلاح القوات المسلحة التركية.