يتوقّع أن يضاعف انتشار مرض إنفلونزا الخنازير من الأزمة الاقتصادية التي تعانيها الولايات المتحدة، مع بروز اتجاه لدى العديد من دول العالم إلى اتباع سياسات تجارية حمائية وتكبيل حركة السياحة
نيويورك ــ نزار عبود
لم يمت أحد في الولايات المتحدة جراء الإصابة بمرض إنفلونزا الخنازير، لكن المواطنين شاهدوا العشرات يموتون لدى جارتهم الأقرب، المكسيك، وشاهدوا إصابة أكثر من 1600 شخص بهذا الوباء المباغت. لذا لم يكن مستغرباً إعلان السلطات الأميركية، حالة الطوارئ من باب الاحتراز على امتداد البلاد، وإعلانها اللجوء إلى إخضاع الأشخاص الآتين من بلدان شملها المرض لفحوص على الحدود لتشخيص أي إصابة، في ظل توقع حدوث وفيات ما دام الفيروس في كلتا الدولتين متطابقاً، حسب رأي منظمة الصحة العالمية.
ولوحظ أن الإصابات العشرين، التي سجلت في الولايات المتحدة، كانت في معظمها دون مستوى الخطر. إلاّ أن المقلق في الأمر، هو سرعة انتشار الإصابات. إذ إن الإصابات انتشرت بسرعة شمالاً وجنوباً، شرقاً وغرباً، كما لو كانت فيروساً ينتقل عبر شبكة الإنترنت. فسجلت خمس ولايات حدوث إصابات فيها، شملت كلاً من أوهايو ونيويورك وكاليفورنيا وكنساس، وتكساس.
ومع أن الدوائر الأمنية الأميركية استبعدت أي علاقة للوباء بأي فعل إرهابي، إلاّ أن كثيرين تساءلوا عن سر تفشي الإصابات في صفوف الشبان الأقوياء، بينما العادة أن تضرب الفيروسات الأطفال والشيوخ أولاً؟
وأوصلت الحيرة من مصدر الفيروس، بعض خبراء الصحة في الولايات المتحدة إلى التكهن بأن يكون المصدر حيوانات الأدغال، التي يتناولها سكان الكثير من الدول الفقيرة دون رقابة. وهذا يحدث كثيراً في أفريقيا والأمازون. ولقد سجلت في السابق الكثير من العدوى الفيروسية في أدغال الكاميرون والكونغو وجنوب أفريقيا والبرازيل.
وكان لانتشار الأنباء عن ظهور إنفلونزا الخنازير تأثيره على أسلوب حياة المواطنين في الولايات المتحدة، وخصوصاً في مدينة نيويورك وحي كوينز فيها، حيث سجل العدد الأكبر من الإصابات. فلوحظ أن الشوارع ليست مزدحمة كالمعتاد، على الرغم من أن المدينة تشهد ارتفاعاً حاداً في درجة الحرارة، وهو ما يدفع عادة المواطنين للخروج من منازلهم بكثرة. وعلى الرغم من عدم اتخاذ عمدة نيويورك قراراً بتعطيل المدارس، إلاّ أنه أكد أنه يراقب الوضع لحظة بلحظة. وأصدر توصية بأن أي شخص يشعر بعوارض المرض يجب أن يمكث في منزله.
أما في حي كوينز شرقي نيويورك، فلم يكن ممكناً معرفة أسباب الهدوء، هل هو بسبب الخشية من العدوى؟ أم لأن الوضع الاقتصادي الضعيف لا يسمح بالكثير من التسوق؟ كذلك كانت الشوارع قليلة الحركة في حي هارلم ذي الغالبية الزنجية.
وفي السياق نفسه، سجلت المدن الأميركية هبوطاً في نسبة الموظفين الملتحقين بعملهم، وسط خشية من العدوى. ويبدو أن انتشار إنفلونزا الخنازير سيكون له انعكاساته السلبية على الاقتصاد الأميركي، ما أعاد إلى الأذهان الخسائر التي منيت بها الولايات المتحدة بسبب مرض جنون البقر، بعدما أدى انتشار المرض فيها إلى أزمة بينها وبين كوريا الجنوبية واليابان، اللتين لم ترفعا حظر استيراد لحم العجل إلاّ أخيراً، بعدما ظهر أن مربي المواشي كانوا يطحنون بقايا الذبائح من عظام وجلود وأمعاء غير منظفة مع العلف، ويطعمون البقر بروتيناً حيوانياً، في مخالفة مباشرة لنظامها الغذائي الطبيعي، للتعجيل بزيادة الوزن.
كذلك تخشى الولايات المتحدة استخدام انتشار المرض ذريعةً لفرض حمائية تجارية دولية من بعض الدول، وهو ما بدأت بتطبيقه بالفعل العديد من الدول في شرق آسيا وأوروبا، وبينها روسيا، بعد فرضها حظراً على استيراد اللحوم من حوض الكاريبي والولايات المتحدة.
كذلك فإنه بسرعة تفشي الوباء، بدأت الدول تعلن إجراءات من شأنها أن تترك آثاراً سلبية على حركة الاقتصاد. فطالب وزراء الصحة الأوروبيون من رعاياهم عدم السفر إلى الولايات المتحدة والمكسيك إلاّ عند الضرورة، ما يعرض قطاع النقل الجوي المتعثر بالأساس إلى خسائر بالغة، وخصوصاً أن الرحلات الجوية بين الولايات المتحدة وأميركا اللاتينية سجلت عمليات إلغاء بالجملة.
كذلك إعاد إنفلونزا الخنازير إلى الأذهان الخسائر الاقتصادية التي تكبدها العالم بسبب انتشار العديد من الأمراض المشابهة في فترات سابقة، منها إنفلونزا الطيور، الذي كلف الاقتصاد الآسيوي أكثر من ستين مليار دولار، بعدما شل الحركة في العديد من الدول الكثيفة السكان ودفع دولاً مثل الصين إلى إنفاق أموال طائلة في كل المرافق العامة وتوزيع الأقنعة على المواطنين، بالإضافة إلى شن حملة تطعيم واسعة، وجنون البقر الذي كلف بريطانيا وحدها نحو 80 مليار دولار، وكلف دولاً أخرى عشرات المليارات. والحمى القلاعية التي انعكست وبالاً على القطاع الزراعي الأوروبي، ما أثار التساؤلات عن التكلفة الإجمالية لمرض إنفلونزا الخنازير.
وقد بدأت هذه الآثار تظهر مع التوتر الذي عانت منه أسواق المال أمس. إذ انخفضت أسعار الأسهم والنفط في آسيا وأوروبا، في ظل الخشية من الاضطراب في الاقتصاد العالمي الهش، وانخفضت كذلك أسعار النفط لأكثر من أربعة بالمئة أمس. وسبب الخوف أيضاً هبوط أسعار العديد من العملات في مقابلها البيسو المكسيكي، الذي جرى تداوله أمس عند أدنى مستوياته في ثلاثة أسابيع.