أرنست خوري تقاطعت معلومات صحافية وتحليلية وسياسية «رسمية ومسؤولة»، أميركية وتركية، في التأكيد أن تركيا لن تفتح أجواءها الدولية أمام المقاتلات الإسرائيلية إذا قررت الدولة العبرية تصفية حساباتها مع إيران، واستهداف منشآتها النووية.
ورغم أن احتمال قيام إسرائيل بمغامرة كهذه غير محسوبة النتائج بات مستبعداً وضعيفاً، وخصوصاً مع المعارضة الشديدة التي يلقاها مثل هذا الخيار في أروقة إدارة الرئيس باراك أوباما، فإنّ صحيفة «توداي زمان» التركية المقربة جداً من حكومة رجب طيب أردوغان، أفردت، أمس، صفحتها الإلكترونية الأولى لتقرير موسع، استقت معلوماته من «مصادر تركية رسمية مسؤولة»، وتحليلات لضباط عسكريين أميركيين وتقارير صدرت عن مراكز أبحاث ودراسات أميركية للخلوص إلى نتيجة واحدة: تركيا لن تفتح أبداً سماءها لمقاتلات إسرائيلية تنوي ضرب إيران، لا بل إنّ الخيار المرجّح هو أن تقوم الطائرات الحربية التركية بإسقاط نظيراتها الإسرائيلية من دون تردّد إذا «اغتُصبت» سيادة تركيا الجوية.
وبحسب مصدر تركي مسؤول، رفض الكشف عن هويته نظراً «لحساسية الموضوع»، فإنّ أسباباً عدة تبطل أي احتمال بأن تقدّم أنقرة موافقتها لتل أبيب باستعمال أجوائها في غارة عسكرية ضدّ أراضي الجمهورية الاسلامية؛
أولاً لأنّ مثل هذه الضربة ستؤدي، لا محال، إلى «كارثة» في الشرق الأوسط، وفوضى ستكون، بالضرورة، ضدّ المصالح التركية، لأنها ستنتج حالاً من انعدام التوازن في ميزان القوى في المنطقة.
ثانياً، لأنّ إيران دولة جارة «مهمة» لتركيا و«شريك تجاري رئيسي» لها. ويضيف النائب عن أنقرة، نائب رئيس حزب «الشعب الجمهوري»، يلماز أتش، سبباً موجباً ثالثاً يدفع تركيا إلى إقفال مجالها الجوي أمام المقاتلات الإسرائيلية. فمثل هذه المواجهة، ستؤدي، بحسب أتش، إلى «وضع دولة إسلامية (تركيا) ضدّ دولة إسلامية أخرى (إيران)، وهو ما سيكون له نتائج كارثية». كلام يستغرَب أن يصدر عن مسؤول حزب «أرثوذكسي» في علمانيته.
بدوره، يستبعد العقيد الأميركي المتقاعد، ريك فرانكونا، وهو مسؤول سابق في وكالة الاستخبارات الأميركية (سي أي إيه) وفي مستشارية الأمن القومي الأميركي، أن تحلّق الطائرات الإسرائيلية فوق الأراضي التركية من دون إذن حكومة أردوغان وبرلمان بلاده. غير أنّ فرانكونا يعزو استبعاده إلى ما يسمّيه مرحلة «ما بعد حرب غزة» من ناحية الأثر السلبي الذي ألحقته على صعيد العلاقات الإسرائيلية ــ التركية. ويقول فرانكونا إن عدوان «الرصاص المصهور» شكّل نقطة تحول في العلاقات الثنائية بين الدولتين. ويشير إلى أنه «قبل هذه الحرب، كانت تركيا خياراً جدياً بالنسبة إلى تل أبيب في ضرب إيران».
وفي السياق، يشدد فرانكونا على أنّ الخيار التركي سيكون (لولا عدوان غزة) الأكثر أمناً على المقاتلات الإسرائيلية، من ناحية حاجات تزويد الطائرات بالفيول والمسافة الفاصلة بين فلسطين المحتلة والأهداف الإيرانية التي يقدَّر عددها بعشرة، وعدد الطائرات التي تحتاج إليها العملية العسكرية ومدى المخاطر التي تلحق بها من جراء احتمال التقاطها عبر الرادارات الإيرانية.
ويدعّم هذا الرأي العسكري، ما أورده تقرير صدر في آذار الماضي عن «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية» في واشنطن، الذي لم يستبعد أبداً غارات إسرائيلية مفاجئة ضدّ إيران، لافتاً إلى أنّ الطريق الجوي الأفضل سيكون بمرور مقاتلاتها فوق الحدود التركية ـــــ السورية المشتركة، ثمّ فوق الأجواء العراقية وصولاً إلى إيران. ويختم التقرير دراسته بالإشارة إلى أنّ الخيارات الأخرى «تشوبها أخطار كبيرة للغاية».
ويستحضر فرانكونا الغارة الإسرائيلية في أيلول 2007 على موقع دير الزور في سوريا، ليشير إلى أثرها السلبي، الذي سيكون حاسماً في رفض أنقرة إعطاء الإذن لتل أبيب بضرب إيران عبر المرور بأجوائها الدولية. وفي الحالة السورية، اضطرت طائرتان إسرائيليتان إلى التزوّد بالفيول من قاعدتين تركيتين على البحر المتوسط، الأولى قرب أنطاكيا، والثانية قرب غازي عنتب، وهو ما لا يزال يمثّل عقدة بالنسبة إلى حكام أنقرة، الذين نالوا اعتذاراً رسمياً من رئيس الحكومة إيهود أولمرت وتعهداً بعدم تكرار الاعتداء على السيادة التركية.
ولدى إسرائيل، إذا قررت استهداف المنشآت النووية، 3 طرق جوية لتسلكها طائراتها، لكل منها إيجابيات وسلبيات:
ـــــ الطريق الشمالية: تنطلق المقاتلات الإسرائيلية نحو الحدود التركية ـــــ السورية ثمّ تتجه شرقاً على امتداد الحدود السورية وتعبر جزئياً فوق الأراضي العراقية وتصبح في الأجواء الإيرانية.
ـــــ الطريق الجنوبية فوق الأردن والسعودية وجنوب العراق وصولاً إلى إيران.
ـــــ الطريق الوسطى فوق جنوب سوريا ووسط العراق وصولاً إلى إيران.