التطورات في منطقة الشرق الأوسط وآسيا تنبئ، بحسب أحد الدبلوماسيين في الأمم المتحدة، بصيف ملتهب، وحرب إقليمية كبرى تشعلها إسرائيل، لإعادة توجيه الاهتمام الأميركي تجاه إيران
نيويورك ــ نزار عبود
إذا كان مرتكبو جرائم القتل الجماعي الأخيرة في المساجد والمقامات الأخرى في بغداد وخارجها يرمون إلى تأخير تخفيف الوجود العسكري الأميركي في البلاد، فإنهم بالقطع ينجحون، كما يعتقد دبلوماسي مخضرم في الأمم المتحدة. فهو يرى أن هناك متضررين إقليميين من انتقال مركز الصراع الدولي في الشرق الأوسط إلى أفغانستان وباكستان، ويريدونه أن يبقى في العراق لفترة أطول، ريثما تُنجَز «المهمة الأساسية» التي أتوا من أجلها.
ويرى الدبلوماسي أن «الحكومة الإسرائيليّة، بالتواطؤ مع جنرالات في البنتاغون، ينوون جرّ إدارة الرئيس باراك أوباما إلى المزيد من الغرق في وحل العراق للانقضاض على إيران في مرحلة غير بعيدة». ويحذّر «من حرب إقليمية كبرى قد تندلع هذا الصيف في الشرق الأوسط نتيجة هذه السياسة الشمشونية». حرب تبدأ، بحسب المصدر نفسه، بشنّ إسرائيل هجوماً على المنشآت النووية الإيرانية بعد سلسلة أحداث تمهيدية، وتثير المزيد من البلابل والنزاعات الإقليمية، ولا سيما بين العرب وإيران وتركيا. و«يكون التمهيد لها بهجمات منظمة على أهداف عسكرية أميركيّة في العراق أو خارجه في المياه الإقليمية الممتدة من البحر الأحمر إلى أم قصر جنوب العراق، أو حتى أعمال إرهابية تقع في إحدى الدول الغربية تأخذ صبغة إيرانية أو شيعية، وأخرى تجري على الأراضي التركية باسم تنظيمات معارضة». عند وقوع مثل تلك الأحداث التي قد تؤدي إلى وقوع خسائر بشرية كبيرة، حسب تقدير الدبلوماسي، لن يجد الرئيس أوباما بداً من الرد.
حتى الآن تحاشى الرئيس الأميركي الردّ بشدة على تصريحات الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد المتعلقة بقضايا كبرى في القاموس الأميركي، مؤثراً استمرار العمل الدبلوماسي الهادئ والتفاوض على الموضوع النووي مع ممارسة الضغوط المالية والدبلوماسية إلى أقصى حد ممكن.
وإلى جانب استمرار الأمور معلقة بالنسبة إلى الدولة الصهيونية عند حدودها الشمالية اللبنانية، وعدم التعويل على الحوار مع سوريا لحسم المسألة دبلوماسياً، تنظر القيادة الإسرائيلية، بحسب هذا الدبلوماسي، إلى الوضع البالغ التأزم في باكستان، الذي يمكن أن يجر طاقات حلف «الأطلسي» إلى تلك المنطقة بعيداً عن إيران، بمزيج من القلق، وإن كانت ترغب في تحيّن الفرص من خلاله. فموسم الصيف هو موسم المعارك في أفغانستان وحشد الجيوش من كل جهة.
ويرى الدبلوماسي أن إسرائيل تفضّل أن تتحول باكستان إلى دولة فاشلة، ما يساعد على تفكيك قدراتها النووية والتخلص من أول قنبلة إسلامية بغض النظر عن مدى ارتباطها بالغرب وتأثيرها على الاستراتيجية الغربية في أفغانستان. وهي قد تذهب بعيداً في هذا المجال إلى حد التعاون غير المحدود مع الهند، علماً بأن التعاون العسكري والاستخباري بين إسرائيل والهند مستمر منذ أمد بعيد، وكان آخره بيع إسرائيل لها قمراً اصطناعياً للتجسس يستطيع رصد التحركات البحرية ليلاً.
لكن إسرائيل، التي لم يعد لديها سياسة مصالحة في الشرق الأوسط، حتى ضمن إطار «خريطة الطريق»، تضع إيران المتطورة علمياً وعسكرياً على رأس أهدافها العاجلة وتنظر إلى الحلول الشاملة من زاوية ضرب إيران أولاً، مهما كلفها ذلك من ثمن، بحسب المصدر نفسه.
ويعتقد هذا الدبلوماسي أن «حذر وإدراك بعض أطراف الإدارة الأميركية للأهداف الاستراتيجية الإسرائيلية وحده لا يكفي لمنع وقوع المحظور وتفجر صراع في المنطقة يمتد من إيران إلى غزة». وقال إن «القيادة الإسرائيلية مستعدة للمضي بعيداً في مخططاتها، التي جاءت إلى السلطة على أساسها».
ورأى الدبلوماسي أن «التصعيد السياسي الأخير، الذي عبّر عنه الرئيس السوري بشار الأسد بمطالبة إسرائيل الانسحاب أولاً من الجولان قبل بدء السلام، إنما يعبّر عن يأس سوري من أي تعويل على انخراط الإسرائيليين في أي عملية تفاوض جدية على المسائل الإقليمية الأخرى وعلى رأسها القضية الفلسطينية. فالموقف الإسرائيلي كان واضحاً حيال الشأن الأخير، بعرض حل خلال ثلاثة أعوام يجري خلالها تغيير المعالم».
الأسابيع المقبلة حتى موعد المناورات الإسرائيلية أواخر أيار قد تشهد الكثير من المفاجآت وتضع الرئيس الأميركي على المحك. فلغة التحاور والإصلاح التي جاء بها لا تناسب أصحاب المصالح الاستراتيجية الكبرى، ولا سيما ثالوث السلاح والنفط والبنوك.