لا ينظر المراقبون للتغيير الذي أجراه الرئيس الكوبي، راوول كاسترو، ببراءة. فأبرز أسماء فريق عمل فيديل استُبدلوا. الموعد الحاسم يبقى مؤتمر الحزب الشيوعي والمقال المقبل لفيديل
بول الأشقر
أحدث بيان مجلس الدولة الكوبي، الذي بُثّ أوّل من أمس على التلفزيون الرسمي، مفاجأة من العيار الثقيل في الجزيرة المحاصرة. وجاء البيان ممهوراً بمبرّر تطبيق خطاب القسم الذي ألقاه الرئيس راوول كاسترو قبل عام، والذي تعهّد فيه أن تكون الحكومات «مقتضبة ووظيفية»، وتعمل على أسس «مؤسساتية».
ولا يزال من المبكر استبطان المعنى العميق لرقصة المقاعد وإلغاء وزارات ودمج أخرى، مع أنها تدل على تراجع نفوذ أقرب معاوني الزعيم فيديل كاسترو.
ففي عهد الأخير، كان يتدخل في كل شاردة وواردة، وكان القرار محصوراً بيد نواة ضيقة تحيط به، وتؤلف لجاناً متخصصة لمتابعة الملفات. وفي أكثرية الأوقات، كانت إدارة هذه اللجان توكل إلى رئيس الوزراء في حينها، كارلوس لاخي أو إلى وزير الخارجية لوبيز روكي.
وفي الفترة الأخيرة، مع توسّع موجة المأسسة في إدارة الدولة، تراجع دور لاخي إعلامياً، فيما اشتكى راوول من أن الكثير من قراراته «لا تجد طريقها إلى التنفيذ». واللافت في التغيير الوزاري الشامل غير المسبوق، أنه يكرس ازدياد نفوذ تيار راوول، وهو ما يُترجَم بصعود للجنرالات والكوادر من الجيل الثاني للثورة، فضلاً عن إعادة تنظيم القطاعات والوزارات.
وفي التفاصيل، حلّ برونو رودريغيز بارييا (51 عاماً)، الذي كان يعمل نائباً لوزير الخارجية، وزيراً أصيلاً ليخلف فيليبي بيريز روكي (43 عاماً)، الوافد من الحركة الطلابية، الذي شغل منصب السكرتير الخاص لفيديل في التسعينيات من القرن الماضي، قبل أن يصبح وزيراً للخارجية وهو لا يبلغ أكثر من 34 عاماً، وذلك في 1999.
وقد قيل حينها عنه، وهو المسؤول الوحيد المولود بعد انتصار الثورة، إنّه «لا أحد مثله يستوعب فكر فيديل». أما خلفه رودريغيز، فهو محامٍ وأستاذ قانون دولي، وصحافي شغل تباعاً مسؤوليات في الحركة الطلابية، وإدارة صحيفة «الشبيبة الثائرة». كذلك عُيّن مندوباً دائماً لبلاده في الأمم المتحدة. وفي فترة حكم راوول، أدار ملف العلاقات مع أميركا اللاتينية التي ازدهرت خلال السنة الماضية. ويرجح أن لتعيينه وزيراً للخارجية، علاقة بمزاياه التفاوضية، التي ستكون قيّمة للغاية عندما تدق ساعة الحوار مع إدارة الرئيس باراك أوباما.
أما طبيب الأطفال، كارلوس لاخي (57 عاماً)، فيترك مركز الأمين العام لمجلس الوزراء، حيث برز خلال أزمة التسعينيات بعد انهيار الاتحاد السوفياتي بصفة «مصلح» الاقتصاد الكوبي، ومشرف على الانفتاح وعلى التغييرات في إدارة المؤسسات، ومنسّق لـ«ثورة الطاقة» التي سمحت بتخطي أزمة انقطاع التيار الكهربائي منذ عام 2006.
نظرياً، لا يتضمن مركز الأمين العام لمجلس الوزراء صلاحيات تقريرية، وقد حلّ مكان لاخي، الجنرال أمادو ريكاردو غيرا، الذي كان من أقرب معاوني راوول عندما كان الأخير يقود القوات المسلحة. إلا أن لاخي احتفظ بمركزه الأهم، وهو نائب رئيس مجلس الدولة، وهو مركز السلطة التنفيذية. وهذا يعني أنّه لا يزال قادراً على الاستمرار في تنسيق الملفات الاقتصادية ــ إذا شاء راوول ــ وفي صدارة المرشحين لخلافة الشقيقين كاسترو.
ومن بين المُعفَين، وزير الاقتصاد والمقرب الآخر من فيديل، خوسي لويس رودريغيز، الذي لم يحتفظ بأي مركز حكومي، شأنه شأن روكي.
ومن أهم التغييرات الأخرى، تعيين النائب هوميرو ألفاريز أكوستا، أميناً عاماً لمجلس الدولة «مؤقتاً»، بدلاً من جوزي ميار بارويكو، الذي تسلّم حقيبة العلوم والتكنولوجيا والبيئة. ولحظت قرارات راوول الأخيرة، توسيع وزارة الاقتصاد التي ألحقت بها وزارة التجارة، وعُيّن على رأسها مارينو موريو، وزير التجارة السابق.
وتواصل صعود نجم راميرو فالديز ميننديز، وزير الإعلام والمعلوماتية، الذي أُنيطت به مهام كان يشغلها أحد نواب رئاسة مجلس الوزراء الذي أُعفيَ أيضاً. وكان ميننديز، يشغل منصب مدير الاستخبارات ولاحقاً وزير الداخلية. وهو يرافق الأخوين كاسترو منذ الهجوم على ثكنة مونكادا عام 1953، وشارك في حرب العصابات ويحمل رتبة «بطل الثورة». وقد كُلّف إدارة «معركة الأفكار»، مشروع فيديل لتفعيل القناعات الثورية. ويقدَّر أن ميننديز بات اسماً ثابتاً من بين المرشحين لخلافة راوول.
ومن المبكر القول إن لاخي وروكي، اللذين وُضعا مؤقتاً «في الثلاجة»، لن يشغلا مراكز مهمة مستقبلاً. فالصورة لن تتضح قبل مؤتمر الحزب الشيوعي الحاكم المنوي عقده قبل نهاية العام الجاري. والآن، تتجه الأنظار لمعرفة ما الذي سيتضمنه مقال فيديل المقبل، وخصوصاً أن إقصاء أقرب معاونيه، جرى في فترة تحسن وضعه الصحي.