تتعاطى تركيا مع الهجوم على مجلة «شارلي إيبدو» كما لو أنها من المتّهمين، أو على الأقل كأحد المعنيين مباشرةً بالجدل الذي أثير بعد الجريمة. الحدث الفرنسي لاقى صدىً كبيراً في الشارع التركي، حيث وجد متّسعاً وسط تناقضات الرأي العام التركي، الثقافية والسياسية. ولأن فجوة «الهوية» تتسع يوماً بعد يوم في دولة يحاول حزب «العدالة والتنمية» الحاكم، إخراجها من «حضن أتاتورك»، إلى المحافظة الدينية الإسلامية على مستويات عدة، كانت ردود الفعل على الأخبار الفرنسية المدوّية، متفاوتة.
تقف أنقرة في قلب السجال السائد في العالم اليوم، بين حكومة تمثّلت بشخص رئيسها في مسيرة «الجمهورية» المدافعة عن «حرية التعبير» في باريس، يوم الأحد الماضي، إنما متحفّظة عن «الإساءة إلى النبي محمد»، ومتخوفة من مناخ الإسلاموفوبيا في الغرب. ومع ذلك، لم تنجُ مشاركة تركيا في المسيرة، من الانتقاد والسخرية، حيث رأى كثيرون أنها دولة تضيق فيها يوماً بعد يوم مساحة الحريات، خصوصاً حرية الصحافة والتعبير، في ظلّ ممارسات الرئيس رجب طيب أردوغان، وسطوته المتنامية في البلاد.
وبعد أسبوع من التصريحات التركية المواكبة لأحداث فرنسا وأوروبا عموماً، جدد أردوغان انتقاده مشاركة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في مسيرة باريس، التي عدّها «نفاقاً»، مستنكراً دفاع «بعض الدول» عن الحكومة الاسرائيلية. وذكّر أردوغان في هذا السياق، بقيام القوات الاسرائيلية بقتل ما بين 2600 و2700 شخص في فلسطين من دون تمييز.
وأشار أردوغان في حديثه، خلال استقباله اتحاد رجال الأعمال الشباب التركي، إلى أن الغرب، وعلى رأسه البلدان الأوروبية، على عتبة إمتحان مهم، في موضوع احترام الديموقراطية وحقوق الإنسان والتنوع، مبيناً أن ازدياد حوادث العنصرية في الآونة الأخيرة يظهر الارتفاع الخطير في نسبتها بالبلدان الغربية.
وأضاف أردوغان: «نتابع بقلق موجة الكراهية تجاه المسلمين جميعاً والدين الإسلامي وحبيبنا الرسول، من خلال التخفي والتذرع، بالهجوم الذي استهدف المجلة الساخرة في فرنسا، كما أنهم يحاولون فرض صراع الحضارات، على الرغم من جهودنا ومحاولاتنا بعكس هذا الاتجاه».
من جهته، شدّد رئيس الوزراء التركي، أحمد داوود أوغلو، أمس، على مواقف بلاده «الصريحة والمبنية على مبادئ»، مؤكداً «معارضته كل أشكال العنف». غير أن داوود أوغلو استدرك، خلال «ملتقى بلجيكا» في العاصمة البلجيكية بروكسل، قائلاً: «لا يمكننا أن نقف من دون اتخاذ أي ردّ فعل ضد أي تحقير أو إهانة موجهة إلى نبينا محمد الذي أُرسل رحمة للعالمين»، مضيفاً أن «أصغر كلمة تُقال في حقه تشبه خنجراً انغرس في قلوبنا».
أما نائب رئيس الوزراء، علي باباجان، فقد أكد أنه «لا يوجد دين أو ملّة للإرهاب»، ولا يمكن التمييز بين الإرهابيين، مضيفاً: «للإرهاب تعريف دولي، ونحن في الجمهورية التركية، وحكومة العدالة والتنمية، نعارض أشكال الإرهاب كافة، وندينه». كذلك أشار باباجان، إلى عدم إمكانية القبول باستخدام حرية التعبير لتوجيه الإهانات وأنه لا يمكن بأي حال من الأحوال قبول إهانة المقدّسات، ونبي الإسلام محمد».
حديث باباجان يرتبط بإعادة نشر صحيفة «جمهورييت» التركية أربع صفحات من عدد «شارلي إيبدو» الأخير، الذي يضمّ رسومات جديدة للنبي محمد، يراها كثيرون مسيئة، ما أثار حملة احتجاجات ضدها. وقد قررت الخطوط الجوية التركية عدم توزيع الصحيفة المحلية على متن رحلاتها. وقالت صحيفة «يني شفق» التركية، إن الشرطة اتخذت تدابير أمنية مشددة في محيط مبنى «جمهورييت». وكانت الصحيفة قد وضحت، في بيان، سبب نشرها لرسوم المجلة الفرنسية، قائلةً إنه عائد إلى «أهداف تضامنية ورسالة شجب للمذبحة التي تعرّض لها صحافيو المجلة الفرنسية».

(الأخبار، الأناضول)