strong>نزار عبودعلى مدى عقد من الزمن، ومنذ ثمانينيات القرن الماضي، قاد زعيم المافيا، الكولومبي بابلو أسكوبار، عصابات تهريب المخدرات في العديد من دول العالم. وعندما كثّفت الدول تعاونها في محاربة التجارة في ولاية فلوريدا وجزر بحر الكاريبي، أقامت المنظمات الإجرامية مثل «كالي» الكولومبية تحالفات مع المهرّبين المكسيكيين، الذين يتعاملون مع مختلف السلع، من البشر إلى المخدرات. وفي أواسط الثمانينيات لم يعد هؤلاء المهرّبون يكتفون بأجور النقل إلى السوق الأميركية، فطالبوا بحصة لقاء النقل والتوزيع. وانتقلوا إلى الانخراط الفعلي في التجارة داخل الولايات المتحدة، ووصلت حصتهم إلى خمسين في المئة. فنشأت كارتيلات مكسيكية في غاية السطوة، بينها اتحادا «سينالوا» و«غلف»، اللذان يتوليان نقل الكوكايين من كولومبيا إلى أسواق العالم، أحياناً عبر الولايات المتحدة. وبفضل الوزن المالي لهذه الكارتيلات، استطاعت بناء علاقة تنسيق مع حكومات تخضع لسيطرة حزب المؤسسة الثوري المكسيكي الذي فقد سيطرته على الحكم أواخر الثمانينيات.
وفي 1989، بدأ الصراع بين المنظمات الإجرامية يشتدّ عقب القبض على أمير تجارة الكوكايين في المكسيك، ميغيل أنخيل فيلكس غالاردو. ثم مرّ الصراع في مرحلة تهدئة في التسعينيات، ليعود ويشتدّ بعد عام 2000. فأرسل الرئيس المكسيكي السابق، فنسنت فوكس، قوة صغيرة إلى الحدود الأميركية لمحاربة العصابات. غير أنها باءت بالفشل نظراً لتعاظم إمكانات العصابات وقدرتها على استيعاب وتجنيد قوى الأمن في صفوفها.
وفي 2005، سقط 110 قتلى في منطقة نويفو لاريدو خلال معركة بين «غلف» و«سينالوا» للسيطرة على ولاية ميتشواكان، فاكتفت الحكومة بالمراقبة. لكن الأمر تبدّل بعد 11 كانون الأول 2006 عندما تولى فيليبيه كالديرون السلطة، وأمر بإرسال 6500 من القوات الاتحادية إلى ميتشواكان. ومنذ ذلك الحين وكالديرون يعزّز عدد قوات الجيش والشرطة حتى وصل إلى 45 ألفاً.
إلا أنّ الرياح قد تجري بما لا تشتهي السفن. في نيسان العام الماضي، اتهم الجنرال المسؤول عن المكافحة، سيرجيو أبونتي، شرطة ولاية باخا كاليفورنيا الحدودية بالفساد. وقال إن فرقة مكافحة الخطف متورطة في عمليات اختطاف لحساب عصابات يقودها تيودورو غارثيا سيمنتال، وإن رجال الشرطة ينقلون المخدرات بأنفسهم لقاء أجور معلومة.
وفي الشهر نفسه، اندلعت معارك ضارية بأسلحة أوتوماتيكية ثقيلة وحديثة، تبين لاحقاً أنها آتية من الولايات المتحدة، سقط فيها 17 قتيلاً بين عصابتي «سينالوا» و«تيخوانا» في مدينة تيخوانا الواقعة في ولاية باخا كاليفورنيا، المعبر الرئيسي لنحو 950 طناً من الكوكايين المتجه من أميركا اللاتينية إلى السوق الأميركية سنوياً. كذلك بلغ عدد القتلى في مدينة باسو الحدودية ألف قتيل خلال العام الماضي فقط.
وفي كيوداد جواريز، وكل أنحاء ولاية شيهواوا، تخوض مافيا «جواريز» المكسيكية، بزعامة عائلة كاريلو فوينتس، حرباً دموية ضد «سينالوا» بزعامة، يواكين غوزمان. ويُعزى تصاعد هذه الحرب إلى ازدياد الاستهلاك المحلي للكوكايين، الذي كان معدّاً للتصدير، بحيث ارتفع نحو 30 في المئة بين عامي 2002 ـــــ 2008.
وفي بداية العام الحالي، أظهرت دراسات عسكرية أميركية أن حكومة المكسيك مهدّدة بالسقوط بسبب نمو قوة العصابات وقدرتها على النيل من الضباط. ولا تستبعد السلطات الأميركية، التي تتعاون تعاوناً واسعاً مع المكسيك في مكافحة المخدرات، ضلوع المافيات في الاعتداء الذي استهدف القنصلية الأميركية في مونتيري في تشرين الأول الماضي، وهي المرة الأولى التي يُعتدى فيها على مبنى أميركي رسمي في المكسيك. لذا قدّمت واشنطن 400 مليون دولار لمساعدة مكسيكو.
كثيرون يحمّلون تيودورو غارثيا سيمينتال، أشهر زعماء تجار المخدرات، المسؤولية. فرجاله المسلّحون يتركون مشاهد شنيعة للجثث المتفحمة والمقطوعة الرأس وعليها توقيع «تيو». وتعتقد السلطات أنه يضع مخطوفيه في أقفاص للحيوانات. واللافت أن «تيو» يتمتع بشعبية في قرى فقيرة، حيث يدفع رواتب شهرية تتجاوز 1500 دولار للمشارك في حراسة ضحاياه أو تصفيتهم، بينما يخشاه آخرون بسبب أساليبه المبتكرة في التصفية، كاستخدام المواد الكيماوية المذيبة، وتقطيع الرؤوس وتكديسها في أشكال هرمية.
وقد تحول غارثيا من عامل مؤتمن في منظمة «أريلانو فيليكس» في التسعينيات إلى نائب رئيس الكارتيل. وعندما ضعفت تجارة المخدرات بسبب زيادة الرقابة على الحدود الأميركية، انتقل إلى عمليات اختطاف رهائن مقابل فدية. وحولها إلى صناعة تدرّ مليارات الدولارات. ضحاياه أطباء ورجال أعمال وشخصيات سياسية مؤثرة، يسخّر رجال الأمن في نشاطه باستخدام أساليب الترهيب والترغيب. في كانون الثاني الماضي، أحاط مسلّحوه بمنزل نائب رئيس الشرطة، مارخاريتو سالدا ريفيرا، وفتحوا النار، فقتلوه مع زوجته وابنتيه.
فلا عجب والحال هكذا، أن تنقل شبكة «سي أن أن» مراسلها العسكري من بغداد إلى مدن المكسيك الجنوبية. وكانت أولى رسائله تحذير السياح الأميركيين من زيارة المكسيك، واصفاً الوضع بأنه «أسوأ بكثير مما شاهد في بغداد».
حرب المخدرات تشتدّ، لكن هيئة مؤلفة من زعماء سابقين من أميركا اللاتينية، يرأسها البرازيلي فيرناندو كاردوسو، قالت إنها حرب مهددة بفشل محقق. وطالبت في توصيات رفعتها للرئيس الأميركي باراك أوباما بإعادة النظر بأسلوب التصدي، من نوع السماح بتجارة الحشيشة ومعالجة المدمنين.


معارك حتى في السجونوقال ممثل حكومة الولاية في المدينة، فيكتور فالنسيا: «هاجموا سجناء آخرين في منطقة تخضع لإجراءات أمنية مشددة باستخدام قضبان حديدية وأسلحة نارية بدائية الصنع». ومن المتوقع أن يصل آلاف الجنود الإضافيين الى سيوداد خواريز في غضون أيام لإخماد العنف. وسيتولى بعضهم الإشراف على الشرطة والسجون المحلية وإدارة المرور.
(رويترز)



أسقطت 5630 قتيلاً خلال العام الماضي

عصر الحروب التقليدية بين الدول تراجع إلى مراتب متأخّرة أمام أنواع جديدة من النزاعات يشهدها العالم اليوم، فتسمع أخبار منظمات «إجرامية» عبر حدودية، مسلّحة بأحدث التقنيات وضحاياها بالآلاف، كحروب القراصنة مثلاً أو عصابات المخدرات. الأخيرة لا تتحدث عنها وسائل الإعلام كما يجب، لكن عدد قتلاها يتجاوز ما يُقتل من جنود الأطلسي في العراق وأفغانستان معاً. أشهرها يجري على الحدود الأميركية ـــــ المكسيكية، تشارك فيها الولايات المتحدة بالتمويل والسلاح والعتاد وتحشد آلاف الجنود على الحدود لمنع انتقالها إلى الداخل. حرب مستعرة منذ عام 2006، لا يُعرف فيها الشريف من الشرير. سقط فيها العام الماضي فقط 5630 قتيلاً