مع استمرار حركات التضامن مع الرئيس السوداني، عمر البشير، صعّدت الفصائل المتمردة في دارفور من مواقفها، وإن أبقت على خيط مفاوضات السلام
باريس ــ بسّام الطيارة
لا تزال مذكرة التوقيف التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بحق الرئيس السوداني، عمر البشير، تستتبع ردود فعل سودانية وعربية ودولية متباينة، وإن كان الأبرز أمس موقف زعيم حركة تحرير السودان المتمردة في إقليم دارفور، عبد الواحد نور. فقد دفع أمر التوقيف بنور، الذي زار إسرائيل قبل ثلاثة أسابيع، إلى واجهة الإعلام، وسُلط الضوء على قوى يمكنها أن تؤدي دوراً في «سودان ما بعد البشير»، حسب قول مصدر دبلوماسي في باريس.
وكان نور قد عقد مؤتمراً صحافياً في نادي الصحافة العربية في باريس، رأى فيه أن قرار المحكمة الجنائية الدولية بحق البشير لا علاقة له بمسألة السلام في دارفور، وشدد على عدم تسييس المحكمة، قائلاً: «لا علاقة أبداً للعدالة بالسلام، فهذا أمر مستقل». وناشد الحكومة تسليم البشير أو أن يسلم نفسه. كذلك طالب المجتمع الدولي بـ«التعاون لتسليم البشير»، والضغط على الحكومة لعدم طرد المنظمات الإغاثية.
وقدم نور تصوراً لحل الأزمة، يقضي بتأليف حكومة انتقالية برئاسة حركته، متعهداً أن تكون مهمتها «توفير الأمن لأهل دارفور والحفاظ على وحدة السودان» واستقراره، وصولاً إلى «الدعوة إلى مؤتمر دستوري ينظم انتخابات حرة ونزيهة»، إلى جانب «المحافظة على معاهدة السلام بين الجنوب والشمال».
واستغل نور ظهوره الإعلامي لتبرير زيارته لإسرائيل، وإعلان استعداده للتطبيع الكامل معها فور وصوله للحكم. ورأى أن زيارته لإسرائيل تأتي من منطلق أن حركته «ضد الكراهية بين الشعوب»، وأنه ذهب إلى إسرائيل للقاء السودانيين الذين يعيشون فيها، موضحاً أن ٤٠٠ منهم في السجون الإسرائيلية لأسباب مختلفة وأن «دوره أن يحل مشاكلهم». ورأى أن التطبيع الاجتماعي قد تم بين حركته وإسرائيل، وهو فخور به، مضيفاً أن التطبيع السياسي يحدث بين الدول، وهو ما سيدفعه للسماح بفتح سفارة وقنصليات إسرائيلية في كل المدن السودانية، لدى وصوله للحكم لـ«رعاية المصالح المشتركة».
أما حركة «العدل والمساواة»، فقد نظمت أمس عرضاً عسكرياً في دارفور، احتفالاً بصدور مذكرة التوقيف، وتحية لصمود أهلها في مخيمات النزوح. لكن الناطق باسم الحركة، أحمد حسن آدم، أكد أنه رغم صدور تعليمات من القيادة لمسلحي الحركة بتنفيذ قرار المحكمة، إلا أن هذا الأمر لا يعني «إغلاق أبواب التفاوض مع الحكومة».
من جهة ثانية (أ ف ب، رويترز، يو بي آي)، تواصلت ردود الفعل المنتقدة لمذكرة التوقيف بحق البشير. وكان الأبرز حضور وفد برلماني عربي وإسلامي إلى الخرطوم، برئاسة رئيس مجلس الشورى الإيراني، علي لاريجاني. وضم الوفد رؤساء برلمانات الدول المشاركة في المؤتمر الدولي لدعم فلسطين، بالإضافة إلى عدد من ممثلي حركات المقاومة الفلسطينية. وكان لاريجاني قد قال قبل مغادرته إلى الخرطوم إن المشاركين في المؤتمر أجمعوا «على أن إصدار مذكرة توقيف بحق الرئيس السوداني ليس له أي أسس عقلانية ومنطقية من الناحية الحقوقية...». وأضاف: «من الضروري أن نقف إلى جانب السودان في هذه المواجهة غير العادلة التي تريد بعض الدول الكبرى أن تستغل المنظمات الدولية لفرض إملاءاتها، ونبين أن المنطقة لا تتحمل مثل هذه المغامرات».
كذلك نظمت حركة «حماس» مسيرة تضامنية مع البشير في غزة، تخللتها كلمة للقيادي في الحركة، مشير المصري، رأى فيها أن قرار المحكمة «قرار سياسي من أميركا وإسرائيل بامتياز»، داعياً الدول العربية إلى رفضها.
إلى ذلك، أثار قرار البشير طرد العديد من المنظمات الإغاثية، والتهديد بطرد المزيد منها بعد، مخاوف من تفاقم الأوضاع الإنسانية الصعبة في إقليم دارفور، ما دفع الأمم المتحدة إلى طلب مناقشة تداعيات هذه الخطوة خلال اجتماع مجلس الأمن الذي دعته إليه ليبيا لمناقشة تطورات الوضع في السودان، وإمكان تصنيف قرار الخرطوم بطرد المنظمات في عداد جرائم الحرب.