حاخامات أوروبا يحذّرون من تزايد عدد الليبراليّين ويعوّلون على «فقّاعة» المتديّنينباريس ــ بسّام الطيارة
هل هناك خشية علمية من «انقراض اليهود»؟ سؤال لم يطرحه ناشط لاسامي أو عنصري، بل كان محور أحد مواضيع المؤتمر السنوي لـ«المركز الحاخامي الأوروبي»، الذي انعقد في باريس قبل نحو أسبوعين. مؤتمر حمل عنواناً مثيراً عالجه الحاخام الإسرائيلي الأكبر لسنوات، مئير لاو، أمام ما يزيد على ٣٠٠ حاخام أتوا من معظم الدول الأوروبية.
وقد استند لاو في مداخلته إلى دراسة عن «تعداد أبناء الطائفة اليهودية في العالم» قامت بها منظمات يهودية أميركية، يظهر من خلالها تعداد الطائفة اليهودية في العالم وتوزعها في الدول. وورد في نصّ كلمة لاو أنّ الجالية اليهودية الأكبر موجودة في إسرائيل (5.47 ملايين تقريباً)، يليها عديد يهود أميركا (5.27 ملايين تقريباً). وتأتي فرنسا في المركز الثالث (٤٨٨ ألفاً تقريباً) وبريطانيا رابعة (٢٩٤ ألفاً تقريباً). أما روسيا، فتصنيفها خامسة، حيث يعيش فيها ٢١٥ ألف يهودي، وتليها أوستراليا سادسة (نحو ١٧٨ ألفاً). ويتوزع ما يناهز مليون يهودي في شتى دول أميركا اللاتينية، وتقريباً مليون يهودي آخرين في دول متفرقة من العالم.
وتناول لاو «التطور الديموغرافي للطائفة»، استناداً إلى عوامل اجتماعية واقتصادية ودينية. وبما أنّ تعاليم اليهودية تحصر الانتماء إليها «بمن يولَد من بطن أم يهودية»، ولأنّ شروط اعتناق هذا الدين صعبة جداً، فإن التطور الديموغرافي لليهودية مرتبط بصورة مباشرة بـ«خصوبة المرأة اليهودية».
والواقع أنّ هناك خمسة تيارات تجتاح الطائفة اليهودية، وتنعكس من خلالها العوامل المؤثرة على تطور تعداد الجالية وتطورها عددياً:
ــ التيار العلماني، وهو يشمل من لا يمارس الشعائر الدينية ولا يتقيد في حياته اليومية بالتقاليد والقواعد الدينية.
ــ التيار الليبرالي، أي الذين يتبعون التقاليد والقواعد الدينية في بعض الأحيان من دون تزمت، مع توسع في تفسيرها.
ــ تيار «المحافظين الكلاسيكيين»، وهو الأوسع في الدولة العبرية وبعض المدن الأميركية.
ــ تيار التقليديين المحدثين (الدينيين)، ويتبع هؤلاء الشعائر بدقة من دون تطرف ولا إضافات سلفية.
ــ تيار المتشددين الذين يعيشون في شبه قطيعة عن باقي التيارات وحتى المجتمع في بعض الأحيان.
واعتمد الحاخام لاو على وجود هذه التيارات الخمسة لدراسة تطور أجيال اليهود في مناطق مختلفة من العالم. فإذا أخذنا عيّنة من ١٠٠ يهودي في حقبة تمتد طوال أربعة أجيال في الولايات المتحدة مثلاً، نجد أن ٥ منهم ينتمون إلى التيار الأول (العلماني)، و١٣ إلى التيار الليبرالي، و٢٤ إلى تيار المحافظين، بينما يرتفع العدد إلى ٣٤٦ في تيار التقليديين المحدثين، و٢٨٥٧ إلى تيار المتشددين!
وتشير هذه المعطيات إلى خطر انقراض عدد اليهود في التيارات «التحديثية المتطورة»، وتضاعف عددهم في التيارات التقليدية والسلفية خلال أربعة أجيال.
وتفسر هذه الظاهرة، بحسب دراسة الحاخام الأكبر السابق، درجة الخصوبة لدى التيارات الخمسة؛ ففيما يبلغ معدّل هذه الخصوبة 5.9 بين المتشددين التقليديين، لا يتجاوز الـ 1.2 في الأوساط العلمانية. وكذلك يؤدي عامل «الزواج المختلط» (أي الزواج من غير اليهود) دوراً في هذا التفاوت في النتائج خلال أربعة أجيال. فمن المعروف أن الزواج المختلط عند أوساط التيارات المنفتحة يقود، بحسب أكثر من حاخام، إلى نوع من «انحلال الروابط مع الممارسات الدينية». وحتى في حال الولادة من امرأة يهودية، فإن الأولاد (والعائلة) في أغلب الأحيان، ينتقلون إلى تيارات أقل تشدداً. ويبدو هذا جلياً في تعداد نسبة الزواج المختلط في مختلف التيارات، فهي تبلغ ٧٢ في المئة لدى العلمانيين، بينما لا تتجاوز الـ«واحد في المئة» عند التقليديين والسلفيين. ووصف بعض الخبراء هذه الظاهرة بأنها «تمزج بين الانفجار والانحباس» (mélange dexplosion et dimplosion).
ففيما ينفجر تعداد السلفيين ويتزايد، يتضاءل عدد العلمانيين في حركة تآكل بنيوية لا مفر منها.
وبالطبع، من شأن نشر هذه الدراسة في الأيام المقبلة، أن يترك أثراً مدوياً في إسرائيل، وخصوصاً في ظل وصول تحالف يمين ويمين متطرف إلى السلطة. هو يمين برهنت السوابق التاريخية أنه يدعم مطالب التيارات السلفية اليهودية والمتشددين في مختلف المجالات الاجتماعية.
كذلك تسمح هذه الدراسة بالخلوص إلى أنّ سبب دعوة الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، أبناء الجاليات اليهودية، إلى «الهجرة» إليها، لا يقتصر على التحريض على احتلال الأراضي الفلسطينية، بل أيضاً لمنع تقدم تعداد التيارات العلمانية التحديثية المنفتحة.