باريس | رفضت الحكومة الفرنسية السماح لجمعية «الرد العلماني» بتنظيم مسيرة تطالب بطرد المسلمين من فرنسا والتضييق على أنشطتهم ومقاومة ما سمته الجمعية «أسلمة فرنسا». وبرغم أنه لم يُكتب لهذه المسيرة أن تقام، أمس، إلا أنها تترجم بوضوح تنامي رفض اليمين المتطرف للحضور الإسلامي في فرنسا، بعدما وصل عدد الجالية المسلمة إلى حوالى خمسة ملايين، كما وصل عدد المساجد إلى أكثر من ٢٢٠٠ مسجد موزعة في مختلف جهات البلاد، وتكاد أحياء بأكملها في جنوب فرنسا، وخصوصاً في بعض ضواحي باريس تكون «محرّرة» من الحضور الفرنسي.
وتكشف مبادرة جمعيات فرنسية إلى تنظيم تحركات احتجاجية ضد الحضور الإسلامي، عن هستيريا أصابت الفرنسيين بسبب الاعتداءات الإرهابية التي شهدتها الأراضي الفرنسية أخيراً، التي استهدفت مجلة «شارلي إيبدو» ومطعما يهوديا، فكانت الحصيلة فاجعة ترتّبت عليها حملة اعتقالات ومداهمات لمشتبه بهم في الضلوع في هذه الجرائم.
وبرغم ارتفاع أصوات العقلانيين في المقابل للفصل بين الإسلام والإرهاب، وخصوصاً في خطب الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، ورئيس الحكومة، مانويل فالس، لكن ذلك لا يعكس الحقيقة. فالانزعاج من المسلمين والإسلام أصبح واقعاً في فرنسا، التي كانت أول بلد أوروبي يسمح للمسلمين ببناء المساجد منذ مغادرتهم صقلية الإيطالية والأندلس الإسبانية، تكريماً لمساهمتهم في الحرب العالمية الأولى إلى جانب فرنسا، فكان أن جرى تشييد جامع باريس وافتتاحه رسمياً في 15 تموز 1926، ليكون بذلك الترجمة الرمزية للحضور الإسلامي في فرنسا.
ولاحقاً، عندما أصبح الحضور الإسلامي لافتاً سعت الحكومات الفرنسية إلى إدماج المسلمين في المجتمع عبر مؤسسات، مثل «المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية»، الذي انطلق مشروع تأسيسه عام ١٩٩٩ في عهد وزير الداخلية، جان بيار شوفنمان، وجرى إنشاؤه الرسمي في عهد وزير الداخلية، نيكولا ساركوزي، عام ٢٠٠٣. وحدّدت الحكومة الفرنسية مهمة المجلس، الذي يمثل أعلى سلطة رسمية تهتم بأوضاع المسلمين، في ربط العلاقات مع السلطات الفرنسية في كل ما يتعلق بعادات وتقاليد المسلمين وشعائرهم الدينية، مثل بناء المساجد والذبائح الحلال وتعيين الأئمة الخطباء ومتابعة ظروف المساجين المسلمين والجنود المسلمين، وكذلك تحديد شهر رمضان وعيد الأضحى.
وأرادت الحكومة الفرنسية أن يكون هذا المجلس المرجع الوحيد للنظر في التعامل مع الشأن الإسلامي، لكن عدداً من النشطاء الإسلاميين انسحبوا منه وأسسوا جمعيات ومنظمات موازية، مثل عميد المسجد الكبير في ليون (جنوب فرنسا)، كامل قبطان، الذي أسس منظمة «مساجد ومسلمون متضامنون»، كما أُسّس «الاتحاد الفرنسي للمنظمات الإسلامية»، المعروف بقربه من «الإخوان المسلمين»، و«مجلس المسلمين الأتراك» و«منتدى أئمة فرنسا»، الذي أسّسه إمام جامع درنسي، التونسي حسن الشلغومي.
وفي وجه فوبيا الإسلام والمسلمين، تتنافس الجاليات العربية والإسلامية على «قيادة» المسلمين في مشهد بائس يذكر بفسيفساء المشهد العربي والإسلامي، فالصراع على أشدّه حول رئاسة «المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية»، الذي يرأسه حالياً إمام جامع باريس، الجزائري دليل أبوبكر.
كذلك، يشتدّ الصراع على إمامة جامع باريس، تحديداً بين الجزائريين والمغاربة والأتراك. وهذه الخلافات التي تتغذى من مرض الزعامة ومن بعض الحسابات السياسية، وخصوصاً بين الجزائريين والمغاربة، تضعف الجالية الإسلامية التي أصبحت رصيداً انتخابياً يتسابق مرشحو الرئاسة والبرلمان للفوز بأصواته، ومن بينهم الإشتراكيون والشيوعيون.
أصبح المسلمون جزءاً أساسياً من النسيج الاجتماعي الفرنسي، لكنهم ما زالوا على هامش الحياة الفرنسية برغم التشريعات التي تمنحهم كل الحقوق. وهم ليسوا أبرياء من مسؤولية هذه «الهامشية» التي حولّتهم إلى مصدر خوف ورعب في بعض الأحيان، إذ إن عدداً كبيراً منهم يرفض الاندماج ويصرّ في الوقت ذاته على عدم احترام الديانات الأخرى، كما يعمد إلى الاستفزاز، بأساليب تساعد على تنامي موجة العنصرية.