انتقلت حالة التأهب الأمني الذي تشهده أوروبا، أخيراً، إلى منع التظاهرات المعادية للإسلام في كل من فرنسا وألمانيا بسبب مخاطر من وقوع اعتداء، بعدما اقتصرت، في وقت سابق من الأسبوع الماضي، على عمليات الدهم والاعتقالات التي استهدفت أوساط «الإسلاميين».
وغداة إعلان القضاء الفرنسي منع تظاهرة في باريس بسبب دوافعها الإسلاموفوبية، اضطرت حركة «بيغيدا» المعادية للإسلام في ألمانيا إلى إلغاء تظاهرتها الأسبوعية المقررة اليوم، في دريسدن (شرق)، بسبب مخاطر من وقوع اعتداء، في إطار من التوتر عقب تهديدات «إسلاميين متطرفين» في أوروبا.
وأعلنت الشرطة الألمانية حظر أي تظاهرة عامة في هذه المدينة، طوال نهار الاثنين، بسبب وجود «خطر إرهابي ملموس».
وأعلنت «بيغيدا» على صفحتها على موقع «فايسبوك»: «أيها الأعزاء، علينا للأسف أن نلغي لقاءنا الثالث عشر لأسباب أمنية»، متحدثة عن «تهديد بالقتل» استهدف أحد منظمي الحركة. وقال مسؤولون من الحركة إن تنظيم «الدولة الإسلامية» أمر بتنفيذ هذا التهديد.
وبحسب صحيفة «بيلد»، فإن الرجل المستهدف بتهديدات القتل هو لوتز باخمان وهو ألماني في الحادية والأربعين من العمر ينحدر من ألمانيا الشرقية سابقاً، ويعتبر شخصية بارزة في الحركة. وقالت المسؤولة في «بيغيدا»، كاثرين أورتيل، في بيان: «سيكون من غير المسؤول وضع مناصرينا ومدينة دريسدن في مواجهة مخاطر غير محسوبة».
واستبدلت «بيغيدا» التظاهر، اليوم، بالطلب من أنصارها وضع العلم الألماني وإضاءة شمعة على النوافذ.
من جهتها، أعلنت الشرطة الألمانية أنها تملك «عناصر حول تهديد ملموس ضد تجمعات بيغيدا الاثنين».
وذكرت في بيان أن «شرطة دريسدن تملك معطيات عن تهديد ملموس يستهدف تجمعات بيغيدا الاثنين». وبحسب هذه المعطيات، فقد «دعي إرهابيون إلى الاختلاط بالمتظاهرين لقتل عنصر من منظمي تظاهرات بيغيدا».
وأضافت الشرطة إن «هذه الدعوة تشبه رسالة (تهديد) نشرت باللغة العربية على تويتر ووصفت فيها بيغيدا بعدو للإسلام»، مشيرة إلى أن تنفيذ هجوم داخل التظاهرة، يمثل «خطراً على حياة المتظاهرين كافة».
ويوم السبت، رفض القضاء الفرنسي بناء على طلب الشرطة، الترخيص لتظاهرة تدعو إلى «وضع الإسلاميين خارج فرنسا»، باعتبارها تستند إلى «منطق إسلاموفوبي»، بحسب قرار القضاء. وكان من المقرر أن تجرى هذه التظاهرة، أمس، تلبية لدعوة من حركتي «المقاومة الجمهورية» و«الرد العلماني» تحت شعار «مختلون عقلياً، ذباحون... الإسلاميون إلى خارج فرنسا».
وكانت مفوضية الشرطة في باريس قد منعت هذه التظاهرة في البداية، بداعي أن «الهدف منها ليس إدانة الأعمال الإرهابية الأخيرة، بل تأتي بشكل واضح في إطار منطق إسلاموفوبي».
وأفاد حكم المحكمة الإدارية، بأنها تخشى «حصول مواجهات مع أشخاص أعربوا عن نيّتهم مواجهة هذه التظاهرة»، في حين أن قوات الشرطة مشغولة في إطار خطة «فيجيبيرات» الأمنية، وأنه «لا يمكن حرف عملهم عن الهدف الأساسي الذي يعملون عليه وهو تجنّب وقوع اعتداءات جديدة».
في هذه الأثناء، استمرت حملة الدهم والاعتقالات في بعض الدول الأوروبية، حيث أعلنت الشرطة اليونانية أنها اعتقلت أكثر من ستة أشخاص وأرسلت عينات من حمضهم النووي إلى الشرطة البلجيكية، في وقت أفادت فيه وسائل إعلامية بلجيكية رسمية بأن بلجيكا تبحث عن رجل من بروكسل وهو من أصل مغربي يختبئ في اليونان.
ولاحقاً، أعلنت اليونان أنها لم تعثر على أي أدلة تربط بين الأشخاص الذين اعتقلتهم لاستجوابهم، السبت، ومخطّط دبره «إسلاميون» لمهاجمة الشرطة البلجيكية جرى إحباطه، فيما أفاد متحدث باسم مكتب الادعاء الاتحادي بأنه ليست هناك صلة بين من اعتقلوا والمخطط البلجيكي.
لكن النيابة البلجيكية عادت وأعلنت، مساء أمس، أن أحد المشتبه فيهم الذين أوقفوا، السبت في أثينا، «قد يكون له علاقة» بـ«الخلية الجهادية» التي فككت هذا الأسبوع في بلجيكا، وأن النيابة الفدرالية بالتالي تطلب تسليمه.
وقال المتحدث باسم النيابة الفدرالية، تييري فيرتس، لمحطة تلفزيون محلية: «بين المشتبه فيهما اللذين أوقفا هناك، قد تكون لأحدهما علاقة بالقضية»، مضيفاً إن «هناك عناصر كافية لطلب تسليمه».
وبحسب وسائل الإعلام البلجيكية، فإن عبد الحميد أبا عود البلجيكي من أصل مغربي البالغ من العمر 27 عاماً والذي قاتل في صفوف تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا، هو زعيم ومموّل الخلية المفككة التي كانت تعد لتنفيذ اعتداءات ضد شرطيين ومراكز شرطة «في كل أنحاء بلجيكا». وكان وزير العدل البلجيكي قد أكد خلال النهار أن الاعتقالات في أثينا لم تتح «اعتقال» العقل المدبر للخلية الذي لا يزال فاراً. وقال «نحن نواصل البحث عنه وأتوقع ان ننجح في ذلك».
أما في إيطاليا، فقد أعلن وزير الداخلية، أنجلينو ألفانو، أمس، أن بلاده طردت، منذ مطلع العام، تسعة أشخاص يشتبه في أنهم «متشددون إسلاميون» في إطار حالة تأهب أمني مشددة في أنحاء أوروبا، ومن الممكن أن تطرد المزيد.
وتكهنت وسائل إعلام إيطالية بأن رجلين هربا من الشرطة البلجيكية واعتقلا في شرق فرنسا، الأسبوع الماضي، ربما تكون لهما صلة ما بإيطاليا التي كانا يستعدان للسفر إليها على ما يبدو.
وقال ألفانو: «قمنا بكل ما هو ضروري وفي حدود الممكن لتوفير الحماية من التهديد»، مشيراً إلى أن عمليات الطرد بدأت قبل هجمات باريس. وأضاف: «توجد تسع حالات طرد»، مؤكداً أنه «في ما يتعلق بالطرد سنواصل التصرف بأقصى درجات الحزم».
وذكر أن الطرد شمل خمسة تونسيين وتركياً ومصرياً ومغربياً وباكستانياً، كان لديهم جميعاً تصاريح إقامة منذ فترة طويلة، مشيراً إلى أن اثنين منهم كانا يستعدان للسفر إلى سوريا «للقتال مع جماعات إسلامية متشددة».
وفي السياق، أفادت وسائل إعلام إيطالية بأن «حوالى 100 يشتبه في أنهم متشدّدون إسلاميون وضعوا تحت المراقبة في إيطاليا»، لكن الفانو قال إن العدد الحقيقي للحالات أكبر.
(الأخبار، رويترز، أ ف ب)