لطالما عرفت روسيا الاضطرابات الأمنية منذ اتحادها السوفياتي، ومع تزايدها حالياً لمواجهة الأزمة الاقتصاديّة، يبدو أن الحكومة وجدت الحل: «توسيع قانون الخيانة»
ربى أبو عمو
قبل نحو ثلاثة أشهر، وتحديداً في 12 كانون الأول 2008، قدمت الحكومة الروسية اقتراحاً جديداً لتوسيع تعريف قانون «الخيانة». بعد مرور بعض الوقت، رفض الرئيس ديمتري مدفيديف التوقيع عليه، وأمر بإعادة صياغته. والسبب هو الخلاف بين فريقه وفريق رئيس الوزراء فلاديمير بوتين.
اقتراح التعديل الروسي يعطي مجالاً واسعاً لـ«تعريف الخيانة». ينصّ التعريف السابق على أن من يرتكب «عملاً عدائياً يهدف إلى إلحاق الضرر بالأمن الخارجي للاتحاد الروسي» يعدّ ملاحقاً قانونياً. وإذا وافق مجلس الدوما على هذا التعديل فستستبدل عبارة «عمل عدائي» بكلمة «عمل» أو «فعل»، فيما ستتقلص حدود كلمة الأمن الخارجي إلى «الأمن».
إضافة إلى ذلك، سيشمل قانون الخيانة مجموعة من الأعمال: «تقديم الدعم التقني والمالي والاستشاري أو غيرها من الأشكال المساعدة إلى دولة أجنبية أو منظمات دولية أو ممثليها في نشاطات موجّهة ضد أمن الاتحاد الروسي، ونطامها الدستوري وأمنها وسيادة ووحدة أراضي الدولة».
فقد اكتفت السلطة الروسية بتقديم تفسير مبهم للنص القانوني الجنائي الحالي، الذي يجعل المحققين يواجهون صعوبة لإثبات جرم المشتبه فيهم كخونة. وأوضحت مذكرة تفسيرية لمشروع القانون أن التعديلات تهدف إلى المساعدة في تخفيف عمل المحققين في جهاز الأمن الفدرالي، وريث جهاز الاستخبارات السوفياتية (كي جي بي).
«كأن القانون بحاجة إلى إعادة صياغة، لمساعدة المدعي العام على زيادة نسبة الإدانات»، يقول المحلل السياسي الروسي يفغيني كيزاليوف. ويضيف أن «تعريف فعل الخيانة يبدو هشّاً، حتى إن المدّعين العامين يمكن أن يلجأوا إلى تفسير الخيانة على هواهم. ويمكن اعتبار الخمول عملاً ينضوي تحت خانة الخيانة».
مثلٌ آخر. فإذا انتقد أي صحافي أو سياسي تعديل الدستور لتمديد فترة الرئاسة من أربع إلى ست سنوات، في صحيفة أجنبية، أو عبّر عن الفكرة نفسها دبلوماسي أجنبي خلال حفل استقبال في السفارة، يمكن بسهولة أن يحاكم بموجب القانون الجديد، بصفته مستشار منظمة أجنبية يناقش موضوعاً موجّهاً ضد النظام الدستوري الروسي.
محامو الدفاع لم يتوقفوا عن تقديم المبررات، إذ توجد حاجة لتوضيح وتحديث القوانين الحالية، التي فشلت في مواكبة الأساليب الحديثة للجواسيس، الذين يزداد عملهم من خلال منظمات أجنبية غير حكومية.
وصارت هذه الجمعيات تشكل قلقاً للحكومة، بسبب علاقاتها المشبوهة مع أنصار الثورات الملونة التي أطاحت الحكومات الصديقة للكرملين في جورجيا وأوكرانيا.
بعض المؤيدين يرون أن القوانين القديمة حول الخيانة والتجسس كانت مبهمة إلى درجة كبيرة. إلا أن المنتقدين يقولون إن هذه المقترحات يمكن أن تعرض للخطر موظفي المنظمات غير الحكومية، إضافة إلى الصحافيين والأكاديميين والعلماء، الذين لطالما عانوا وطأة ما كان يصفه النقّاد بـ«هوس الجاسوس»، باعتبار أن عملهم يفرض مشاركة معلوماتهم مع زملائهم الأجانب، الأمر الذي كان منظّماً جداً في العهد السوفياتي، عكس اليوم.
من هم المنتقدون؟ وفقاً لتقرير نشرته صحيفة «نيزافيسمايا غازيتا» في كانون الثاني الماضي، فإن مشروع القانون يواجه معارضة من أعضاء البرلمان المقربين من مدفيديف. ويقول المحلل السياسي أليكسي ماكاركين رودان إن «مدفيديف لا يريد أن يخسر صورته الليبرالية، إلا أنه يشير في الوقت نفسه إلى صعوبة الاعتراض على القانون لأن ذلك سيكون دليلاً على الصراع بينه وبين بوتين».
ومن هذا المنطلق، يقول بعض المراقبين إنه في هذه الحالة، لا يبقى غير خيار واحدٍ، وهو إقناع الحكومة بإعادة تقديم مشروع القانون مع بعض التغييرات، ولا سيما أن مدفيديف يقدّم نفسه كأحد المدافعين عن الحق في التعبير، حتى إنه أمر حراسه بعدم إبعاد أحد المحتجين على خطابه أمام رابطة الحقوقيين الروس، بمناسبة الذكرى الـ 15 السنوية لاعتماد الدستور الحالي.
حلقة ما بعد الاتحاد السوفياتي تستكمل، حين كان ممنوعاً على المواطنين السوفيات التحدث مع الدبلوماسيين الأجانب أو الصحافيين. ويقول أحد الصحافيين الروس، الذي رفض الكشف عن اسمه، «إن هدف طرح التعديل، الذي سيقر حتماً، هو إبعاد بعض رجال الأمن في السلطة. هذا عدا عن الحد من التظاهرات الشعبية داخل البلاد، بسبب الأزمة الاقتصادية». وخلال الأسبوعين الماضيين، شهدت روسيا تظاهرات عديدة، تصدّّّّّّّّّّّّّّّّت لها الشرطة بحجة أنها غير مرخصة.