«آبو» وعد غول بتطوّرات مهمّة خلال أيّام: أستطيع تأدية دور إيجابي لإنهاء المشكلةأرنست خوري
يُرَجَّح أن يبقى ما سرّبه الباحثان التركيّان إمري أوسلو وأوندر أيتاش، في افتتاحية صحيفة «حرييت» أمس، عن الزعيم الأسطوري لحزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان، محصوراً بالقنوات السرية للمفاوضات التي تجرى بعيداً عن الإعلام ووسائله.
فقد كتب الرجلان أن «آبو» بعث إلى الرئيس التركي، عبد الله غول، رسالة جاء فيها: «سترى تطورات مهمة على صعيد القضية الكردية في الأيام المقبلة»، ليتابع جازماً: «أنا أستطيع أن أؤدّي دوراً إيجابياً في حل هذه المشكلة».
كل كلمة في هذه الرسالة المقتضبة، قد تحمّل كماً هائلاً من التفسيرات والتساؤلات؛ تطورات من أي نوع؟ هل يتعلق ما يفكر به أوجلان بقرب موعد الانتخابات المحلية في تركيا نهاية الشهر الجاري، وخصوصاً أنّ التحدّي الأكبر لحزب «العدالة والتنمية» هو الفوز ببلدية ديار بكر، قلعة «الكردستاني»؟ هل هي ردّ على ما سبق أن قاله الرئيس العراقي (الرمز الكردي سابقاً) جلال الطالباني من أنقرة، ومفاده أنّه لم يعد للدولة الكردية من وجود إلا في إطار «الأحلام غير الواقعية»؟ أم إنّ التسريب يندرج في إطار محاولة أوجلان تحسين وضعه الخاص كسجين لمدى الحياة في جزيرة إمرلي أو «ألكتراز» تركيا؟
وهنا يثق كل من يملك ولو فكرة بسيطة عن «القضية الكردية»، أنّ حلّها كان، ولا يزال، ويرجّح أنه سيبقى مستحيلاً من دون إرضاء شروط حزب «العمال الكردستاني». معلومة يعترف بها حتى حكام أنقرة وصانعو رأيهم. فكاتبَا الافتتاحية، أي أوسلو وأيتاش، اسمان كبيران. الأول محلل تركي رفيع المستوى في مؤسسة «جايمستون» في واشنطن، والثاني أستاذ في جامعة الغازي، وباحث في مركز الدراسات الأمنية في أنقرة.
ومن يذكر حزب «العمال الكردستاني»، يقل بالضرورة عبد الله أوجلان. إذاً يتحوّل التعليق على الكلمات التي انسلّت من زنزانته، إلى سؤال مركزي: متى وأين وكيف وبأي شروط يقدر الرجل على حلّ المعضلة؟
لقد تسابقت كل الإدارات التركية على محاولات إيجاد الأدوية الملائمة للقضية الكردية: تمّ تجريب كل شيء تقريباً، بينما المطلوب واحد. الحملات العسكرية ضدّهم لا تحصى. السجناء من مناضليهم يملأون السجون. محاولات بثّ الفرقة بينهم، واستقطاب جماعاتهم وإغراؤهم بالمال والسلطة والمناصب ليتركوا حزبهم الأم، (العمال الكردستاني)، وقضيتهم (دولة كردستان)، عديدة جداً. خلق حزب لـ«أكراد السلطة» في الأناضول خيار جُرّب وفشل نسبياً. حتى إنّ أنقرة أنشأت فرق «حراسة القرى» و«حرس الحدود» من الأكراد لفرض ميليشيات موازية للجيش النظامي بهدف استقطاب مواطني الأناضول وسرقة شعبية «الكردستاني». أيضاً فكرة لم تُجدِ. المفاوضات السرية مع قيادات من «الكردستاني» ومحاولة اللعب على التناقضات الوطنية بينهم (سوريين وأتراك وأكراد وعراقيين وإيرانيين) أظهرت محدوديتها. إثارة النعرات بين الأكراد العاديين من مواطني الدول الخمس لم تلق نجاحاً باهراً، حتى مع أكراد العراق الذين يُحكى أنهم يتململون من الكلفة الكبيرة التي يسببها لهم مقاتلو «الكردستاني» على حدود إقليمهم.
حتى إن «رشوتهم» عن طريق تقسيط حقوقهم الثقافية والتنموية والسياسية باتت برأي الكثيرين «ألاعيب مكشوفة». أحزابهم «الشرعية» تُحلّ موسميّاً قبل كل دورة انتخابية عادة. وآخر ما تفتّق عنه عقل رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان ومساعدوه، ووصفه البعض بأنه خطوة على الطريق الصحيح، أُحبط باكراً: مكافآت «للعائدين من الجبال» من مقاتلي «الكردستاني» الذين يتعاونون مع السلطات بعد أدائهم مراسم التوبة عن «خطاياهم»، في مقابل نيلهم «حياة جديدة هانئة» في قراهم التركية. لكن ما إن نشرت الصحف تفاصيل الخطة، حتى غاب الخبر عن السمع كدليل فشل حاول أردوغان معالجته بخطة لأسلمة الأكراد المعروفين بمزاجهم اليساري العلماني التقدمي. وجديد هذه الخطة إعلان أنقرة أنها ستترجم القرآن إلى اللغة الكردية.
ثمّ خرج رئيس الحكومة بحملتين عسكريتين على شمال العراق، بالتزامن مع إطلاقه مشروع الـ 12 مليار دولار لتنمية مناطق الأكراد. أضف إليها باكورة جرأته في تأسيس تلفزيون 6 TRT الحكومي الذي يبث باللغات الكردية والعربية والفارسية. تلفزيون لم يقابله حزب أوجلان إلا باعتباره قناة «غير شرعية لا تخدم سوى مصالح الحكومة المعادية للأكراد».
فجأة يتذكّر أوسلو وأيتاش أنّه «لا شيء يجدي كردياً إلا عبر أوجلان وحزبه». السبب مقنع: فهذا الحزب تحوّل إلى قضية قائمة بذاتها. حزب لديه «مليون شخص (من أصل 15 مليون يشكلون ما نسبته 24 في المئة من الأتراك) مستعدون للتضحية بحياتهم لأجله».
مطالعة يختمها الكاتبان في «حرييت»، المعروفة بعدائها الشديد تجاه «الكردستاني»، بما يشبه موافقة كلام هذا الحزب في أنّ حلّ القضية الكردية لا يكمن لا في بروكسل (مقر الاتحاد الأوربي) ولا في واشنطن، بل في أنقرة وحدها. كلام ينحو منحى النصح الموجّه إلى القيادة التركية لإعادة فهم قيمة أوجلان عند الأكراد، وخصوصاً أنه «قادر على إبطال مفعول جميع إصلاحات الحكومة». وحده أوجلان قادر على أن يكون عنصر سلام لحلّ القضية الكردية، لكن بشروطه التي تبدأ من إصراره على «خروج مشرّف من السجن»، وتصل إلى الاعتراف بالمقاتلين الأكراد، «أبطالاً قوميين»، والكلام دائماً لأوسلو وأيتاش.

(أ ف ب)