الإضراب»، مشهد بدأ يتكرر على الساحة الفرنسية، مع اشتداد الأزمة المالية العالمية وانعكاساتها السلبية على الاقتصاد الفرنسي. ليعكس بوضوح تنامي التذمر الشعبي من فشل سياسة الرئيس نيكولا ساركوزي في مواجهة تداعياتها
باريس ــ بسّام الطيارة
تعيش فرنسا اليوم خميساً أسود جديداً، يقوده إضراب عام يشلّ مرافق البلاد، احتجاجاً على سياسة الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، في مواجهة تداعيات الأزمة المالية، ما يشير إلى أن سنة صعبة تنتظر الفرنسيين على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي، لن يكون وضع سيد الإليزيه وطموحاته بمنأى عن تردداتها السلبية.
ووفقاً لأحدث استطلاعات الرأي، يؤيد الإضراب ٧٤ في المئة من الفرنسيين، ويجدون «أنه مبرر». وتدل الاستطلاعات المتتالية والمتشابهة على أن المواطن الفرنسي لم يعد يتردد في شجب سياسة ساركوزي، ورئيس وزرائه فرنسوا فييون، وأن سخطاً متزايداً ينتظر الحكومة الفرنسية في الأيام المقبلة، بعدما بدأت تظهر آثار ركود اقتصادي، قد يقود إلى اضطرابات اجتماعية يتخوف منها الجميع.
وفي السياق، نشرت مجلة «باري ماتش» تحقيقاً يشير إلى أن ٧٨ في المئة من المواطنين يدعمون التحرك. وكان لافتاً، ما أبرزه التحقيق من أرقام تدل على أن ٥٣ في المئة من محازبي ساركوزي وناخبيه، هم كذلك في عداد مؤيدي الإضراب، ما يمكن أن يشكل أول «تهديد لسيطرة ساركوزي على قاعدته الانتخابية»، حسب أكثر من متابع للحياة السياسية الفرنسية.
ومن المتوقع أن يكون تحرّك اليوم أكثر شمولاً من الإضراب الذي شهدته فرنسا في التاسع والعشرين من شهر كانون الثاني الماضي، والذي شكل تحوّلاً في مسيرة الاحتجاجات العمالية على سياسات ساركوزي الاقتصادية، ولا سيما أن تحرك اليوم، يأتي في سياق تحرك أساتذة التعليم العالي والجامعات والباحثين، الذي بدأ منذ أكثر من شهرين من دون أن تستطيع حكومة فييون إيجاد حل لمطالب هذه الشريحة المؤثرة في المجتمع الفرنسي، رغم الاجتماعات الماراثونية التي عقدتها الحكومة مع ممثليهم.
وتزيد من حدة النقمة والاحتقان الشعبي المتنامي البيانات المتتالية عن إغلاق مصانع وصرف عمال، رغم المليارات التي صرفتها الحكومة لتدارك هذا الوضع، وترافقها مع ارتفاع أرقام البطالة ارتفاعاً دراماتيكياً لتلامس ١٠ في المئة. وهو رقمٌ «مزعج نفسياً»، حسب أحد المعلقين، لم تعرفه فرنسا منذ سنوات طويلة، ويمكن أن يحضر لـ«شهر أيار صعب» حسبما نقلت بعض الصحف عن ساركوزي.
أمام هذا الواقع، يرفض رئيس الوزراء أي تنازلات إضافية مهما تكن نتيجة إضراب اليوم، بحجة أن أي تنازل سيؤدي إلى زيادة في الدين العام، داعياً إلى «انتظار نتائج ما ضُخّ في الاقتصاد بعد فترة من الوقت».
وفي السياق، تتوقع بعض الأوساط الفرنسية «التخلي عن خدمات فييون» من قبل ساركوزي، في محاولة لامتصاص النقمة المتصاعدة. ويقول أحد المتابعين لنبض العلاقات بين الإليزيه وماتينيون إن ساركوزي يسعى لتغيير رئيس وزرائه، من دون أن يظهر هذا التغيير وكأنه «إصلاح لخطأ». إذ يعرف الرئيس الفرنسي بأن المواطن يحمّله مسؤولية الوضع من جهة، ويدرك جيداً أن «قطع صلة الود مع فييون» قد يضع هذا الأخير في مصاف «الخصوم المحتملين» إلى جانب رئيس الوزراء السابق، ألان جوبيه، وكلٍ من دومنيك دوفيلبان، الذي «لم يكف عن معارضة (ساركوزي) من داخل الحزب»، والوسطي فرنسوا بايرو.
وعلمت «الأخبار» أن ساركوزي يجس نبض فييون في ما إذا كان منصب رئيس المفوضية الأوروبية في بروكسل، الذي سيصبح شاغراً بعد شهرين، يناسب طموحاته. ليكرر ساركوزي بذلك عملية إبعاد المرشح الرئاسي السابق، السياسي المخضرم، دومنيك ستروس خان، إلى صندوق النقد الدولي. ويرى المراقبون أن مناورات ساركوزي تهدف إلى خلق «نوع من الفراغ» حوله، يرمي إلى إبعاد «الخطر داخل اليمين عموماً وحزبه خصوصاً». إذ أظهر الـ«لا حوار» حول عودة فرنسا إلى حضن الحلف الأطلسي، أن عدداً متزايداً من نواب اليمين كانوا يعارضون «أطلسة السياسة الفرنسية»، وهو ما اضطر ساركوزي لإجبار فييون على إمراره في البرلمان عبر «تصويت على الثقة».
ومن جهة أخرى، فإن سياسيين يمينيين باتوا يتخوفون «من مصير اليمين في ظل سياسات ساركوزي الاقتصادية». وأبرز مثال على ذلك مطالبة أقطاب من اليمين، ومن داخل حزب ساركوزي، بالتراجع عن «قانون الهدايا الضرائبية»، الذي دشن به ساركوزي عهده. إلا أن سيد الإليزيه يعارض العودة عن هذه القوانين، ولم يتردد في إعلان رفضه من خلال قوله «لم ينتخبني الشعب لأزيد الضرائب». إلا أن الجميع يهمس من ورائه أن الشعب لم ينتخبه «ليخفف الضرائب عن الأثرياء»، بل انتخبه بعدما وعد بـ«رفع القوة الشرائية والحد من البطالة».
والجميع يلاحظ أن القوة الشرائية تتراجع وأن البطالة تتقدم، ما يظهر أن دائرة مناورة ساركوزي في معالجة الوضع تضيق ودائرة النقمة تتسع، بينما يتابع سيد الإليزيه مسيرته وكأن شيئاً لا يحصل، مع أن هذا يحصل تحت عينيه وأمامه.


شغب في تظاهرة طلابيّةوأفادت الشرطة الفرنسية أمس أن طلبة فرنسيين ألقوا زجاجات على رجال الشرطة، وحطموا نوافذ متاجر في باريس، خلال مسيرة طلابية بدأت في ساعة متأخرة من مساء أول من أمس في جامعة تولبياك في جنوب باريس ووصلت إلى منطقة بارب شمال المدينة
وقال متحدث باسم الشرطة «ألحق المتظاهرون أضراراً بممتلكات على طول الطريق. قذفوا كثيراً من نوافذ المتاجر بالزجاجات. قذفوا قوات الأمن أيضاً بالزجاجات. لكن لم يقع اشتباك مع الشرطة»، وأشار إلى أنه تم اعتقال أربعة من المتظاهرين. وذكر المتحدث باسم الشرطة أنه لا يعلم عدد من شاركوا في التظاهرة، لكن طالباً شارك في المسيرة أفاد بأن عددهم كان 1000 أو 1500 محتج. وأضاف الطالب، الذي لم يذكر اسمه، « كان هدفنا أن تسمع أصوات الطلاب». وتابع «هتفنا بشعارات عفوية مثل: باريس قفي انهضي.. وساركوزي استقل».
يذكر أن التعليم العالي في فرنسا يعدّ من بين أكثر القطاعات التي ثارت فيها الاعتراضات ضد سياسات الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي. وقد شهدت الجامعات الفرنسية منذ شهور سلسلة إضرابات واعتصامات ومقاطعات وحصارات من قبل الطلاب والمحاضرين بشأن عدة إصلاحات حكومية.
(رويترز)