واشنطن ــ محمد سعيديضع الرئيس الأميركي باراك أوباما، بعد شهرين من المراجعة المستمرة، اللمسات الأخيرة على استراتيجيته الجديدة الخاصة بأفغانستان وباكستان، والتي يهدف من خلالها إلى تنفيذ تعهداته بجعل هذين البلدين الجبهة المركزية للحرب على الإرهاب. غير أن مراقبين يرون أن ذلك يعني غرق الولايات المتحدة أكثر في المستنقع الأفغاني ـــــ الباكستاني، إذ لا يبدو في الأفق إمكان لتحقيق نصر بالمعايير الأميركية.
واجتمع أوباما مع كبار مساعديه ومستشاريه في طاقم الأمن القومي والسياسة الخارجية، الأسبوع الماضي في البيت الأبيض، حيث جرى تناول الاستراتيجية الجديدة، التي قال مسؤولون أميركيون إنها قد تعلن قبل مغادرة أوباما للمشاركة في قمة حلف شمالي الأطلسي في نهاية الشهر الجاري. وأوضحوا أن أوباما أصرّ على أن تحمل الاستراتيجية الجديدة عدداً من الخيارات الواسعة تتراوح ما بين تقليص الأهداف الأميركية وسحب جزء من القوات في نهاية العام الجاري، إضافة إلى زيادة عدد هذه القوات في أفغانستان، مع الأخذ بعين الاعتبار أن تحقيق الاستقرار في أفغانستان قد يتطلّب حوالى ست سنوات.
وتركّز المراجعة بشأن أفغانستان ـــــ باكستان، التي يجريها طاقم أوباما للسياسة الخارجية والأمن القومي، على ملاحقة زعماء «القاعدة» في الملاذات التي يختبئون فيها على امتداد الحدود الأفغانية الباكستانية، فيما ستستخدم الولايات المتحدة وحلفاؤها الأطلسيون زيادة المساعدات والجهود المدنية والقوات العسكرية الإضافية، لتقليص قوة «طالبان» والميليشيات المسلّحة الأخرى التي «تمثّل التهديد الأكبر للاستقرار في أفغانستان».
وقد عبّر عن ذلك وزير الدفاع روبرت غيتس، منذ حوالى أسبوعين، حين قال إن الاستراتيجية الجديدة هي «منع طالبان من استعادة السلطة من حكومة منتخبة ديموقراطياً في أفغانستان وتحويل البلد مرّة أخرى إلى ملاذ للقاعدة».
غير أن أكثر المحللين تفاؤلاً يعتقدون أن مثل هذه الاستراتيجية قد تتطلب على الأقل ست سنوات لتصبح الحرب على أفغانستان أطول حروب الولايات المتحدة في التاريخ الأميركي، وستكون شبيهة بمستنقع العراق. ويشيرون إلى أن تقليص حكومة أوباما أهدافها في أفغانستان، وإلقاء جزء كبير من العبء على باكستان، ليس أكثر من خديعة. فهذا يعني أن الوضع في أفغانستان سيزداد سوءاً، وأن أي انسحاب من دون إكمال المهمة، سيعني تراجعاً عن تعهدات أوباما الانتخابية التي أكّد فيها أن الجبهة المركزية في «الحرب على الإرهاب» هي أفغانستان لا العراق.
ويقول مسؤولون أميركيون مطّلعون على تفاصيل الاستراتيجية الجديدة إن واشنطن ستسلّم في أقرب وقت ممكن مسؤولية محاربة «طالبان» والميليشيات الأخرى المتحالفة معها إلى الجيش الأفغاني، الذي ستزيد عدد أفراده وتدريبه وتسليحه، والجيش الباكستاني.
وإلى أن يتحقق ذلك، فإن القوات الأميركية ـــــ الأطلسية ستواصل تركيز مهمتها على تحسين الوضع الأمني في أفغانستان والاستعداد للانتخابات التي ستجري في آب المقبل. وستقوم الحكومة الأميركية بإرسال مزيد من الدبلوماسيين والخبراء، ولا سيما في مجالات الزراعة والأمن والإعمار، والمجالات الأخرى التي يتطلبها تحقيق الاستقرار، في إطار ما يسمّى «سياسة الإغراق المدني»، التي تترافق أيضاً مع إرسال نحو 29 ألف جندي.
إضافة إلى ذلك، ستعمل واشنطن على ضمان ألا تكون «منطقة الحدود الأفغانية الباكستانية ملاذاً آمناً» لمن تسمّيهم «الإرهابيين»، بحسب ما ذكر عسكري أميركي طلب عدم الإفصاح عن هويته، في لقاء مع الصحافيين في واشنطن.
كذلك تدعو الاستراتيجية الجديدة إلى تقديم دعم عسكري ومالي لباكستان، حيث يخطط «البنتاغون» لإرسال مئات الجنود والضباط في إطار قوات العمليات الخاصة، لتدريب القوات الباكستانية على تكتيكات ملاحقة عناصر «طالبان» و«القاعدة» ومحاربتهما في منطقة الحدود الأفغانية ـــــ الباكستانية، غير أن الحكومة الباكستانية لا تزال تبدي تردّدها إزاء السماح بوجود أكبر للولايات المتحدة. ويُتوقع أن يعلن أوباما اقتراحاً بتقديم 1.5 مليار دولار زيادة في المساعدة السنوية لباكستان، مقرونة بشروط قيام باكستان بجهد أكبر في الحرب الأميركية على الإرهاب.
وذكرت مصادر مطّلعة أن المبعوث الأميركي الخاص لأفغانستان وباكستان ريتشارد هولبروك اقترح على الرئيس الأميركي تعزيز الجهود الدبلوماسية لتحسين العلاقات بين الهند وباكستان، العدوّتين النوويتين التقليديتين اللتين توتّرت العلاقة بينهما أكثر بعد اعتداءات مومباي، الأمر الذي قد يقنع إسلام آباد بنقل عدد كبير من قواتها المنتشرة حالياً على طول حدودها الشرقية مع الهند إلى حدودها الغربية مع أفغانستان، من أجل التعامل مع «طالبان». إلا أن خبراء في شؤون جنوب آسيا، وخاصة النزاع الهندي ـــــ الباكستاني، يشككون في نجاح مساعي هولبروك.