إيران باتت جزءاً من الملفات المطروحة على القمّة العربية، في ظل علاقات تراوح بين التقارب والتوتر، وهو ما تدركه طهران، بتأكيدها على العلاقات الجيدة وتقديم تطمينات
طهران ــ محمد شمص
يعتقد الإيرانيون أن مصالح المنطقة في مواجهة التحديّات والأخطار الخارجية لا تتسنّى من دون تفاهم إيران مع الدول العربية، ولا سيما السعودية ومصر. لهذا الغرض، مدّت طهران يدها لمصالحة وتعاون شامل مع جميع الدول العربية.
وربما أتت رسالة الرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد، التي حملها وزير خارجيته منوشهر متكي الى الملك السعودي عبد الله أواسط الشهر الحالي، على خلفية استشعار طهران الخطر من نتائج القمة العربية الرباعية الأخيرة وأهدافها. إذ تؤكد مصادر مطلعة أن السعودية أرادت من هذه القمة والتقارب بين الرياض ودمشق، إبعاد الأخيرة عن حليفتها الاستراتيجية طهران، وذلك في سياق مخطط عزل إيران عن محيطها العربي والإسلامي. وترى المصادر أن السعوديين بعد حرب غزة بدأوا سياسة جديدة تقضي بالتركيز على محاولات إبعاد سوريا عن إيران بأي ثمن. وما رسالة الرئيس نجاد إلى الملك عبد الله إلّا لاحتواء تداعيات القمة الرباعية وتطويق المساعي السعودية لعزلها، عبر تقديم المزيد من التطمينات للرياض.
وتصف طهران نفسها بأنها أفضل صديق للعرب وترفض أي انقسام عربي ـــــ عربي، «لأنه يضر بالأمة الإسلامية، ويمثّل خطراً على الجميع»، حسبما يقول رئيس مجلس الخبراء هاشمي رفسنجاني، الذي يشير إلى أنه مهما كان موقف بعض العرب «مشبوهاً ومتخاذلاً، إلّا أنه لا ينبغي أن نضيع البوصلة».
وترى طهران أن انقسام العرب إلى جبهتي اعتدال وممانعة، يمثّل إضعافاً لقوة المسلمين وخدمة لمصلحة إسرائيل وأميركا. وكان الرئيس الإيراني واضحاً حين دعا في قمة مجلس التعاون الخليجي في الدوحة قبل أكثر من عام إلى إنشاء منظومة أمنيّة مشتركة للحفاظ على أمن المنطقة.
وتؤكد مصادر مطلعة، لـ«الأخبار»، أن الدبلوماسية الإيرانية مكلّفة اعتماد سياسة إزالة التوتر والانفتاح الكامل والتعاون مع جميع الدول العربية، ومعالجة أي إشكالية قد تطرأ على هذه العلاقات، رغم اعتقاد الإيرانيين بأن ثمة مشروعاً أميركياً مرسوماً للمنطقة يُراد من الدول العربية، الموسومة بالاعتدال، أداء دور مهم فيه.
في هذه المناخات، تواصل طهران مساعيها لرأب الصدع مع المغرب، بعدما نجحت في طي صفحة الخلاف «المُفتعل» مع البحرين. كما أن الدعوات النيابية والشعبيّة المتكرّرة لحكومة نجاد إلى اتخاذ إجراءات حازمة ضد دولة الإمارات، بسبب إساءة معاملتها للمسافرين الإيرانيّين في مطار دبي، لم تُفلح في إخراج الدبلوماسية الإيرانية عن طورها وتغيير سياستها بالانفتاح على الدول العربية واحتواء الأزمات الطارئة.
ولعلّ أهم تحدٍّ واجهته إيران، هو الفتنة السنيّة الشيعيّة، ولا سيّما بعد اتهام الشيخ يوسف القرضاوي لإيران بالعمل على نشر مذهب التشيّع بين الشباب السني في الدول العربية. هذا التحدّي عالجته طهران بإرسال المستشار الخاص للمرشد الأعلى للثورة آية الله علي خامنئي، علي أكبر ولايتي، إلى الدوحة لمعالجة الموقف واحتواء ذيوله وتداعياته.
واستكملت خطواتها من خلال المؤتمر الدولي حول الوحدة الإسلامية الذي عُقد في طهران الأسبوع الماضي، وحضرته شخصيات دينيّة وفكريّة سنيّة من 35 بلداً من العالم.
بالطبع، أزعج التحرك الإيراني لإنشاء تحالف رباعي إقليمي سياسي واقتصادي يضم إيران وتركيا والعراق وسوريا، السعوديين والمصريين. انزعاج عبّر عنه وزير الخارجيّة السعودي سعود الفيصل، بقوله إن على الدول العربيّة توحيد الرؤى لمواجهة الخطر الإيراني. ومن ثم ردّد كلماته الأمين العام للجامعة العربية، عمرو موسى، معتبراً أن إيران تمثّل تحدياً للواقع العربي، وأنها تتدخّل في الشؤون الداخلية للدول العربية. لكن سرعان ما تراجع موسى عن هذا الموقف، إذ نفى أن إيران هي التهديد لا إسرائيل، داعياً إلى حوار عربي ــــــ إيراني، لمناقشة كل القضايا الخلافية وإنهائها.
لعل الموقف القطري، الذي جاء على لسان الأمير حمد بن خليفة آل ثاني، أثناء مشاركته قي قمة «إيكو» الاقتصادية في طهران، كان مفاجأة خليجية، حين رأى أن قوة إيران هي قوة للعرب والمسلمين، وأن أي تقدم حاصل في هذا البلد هو في مصلحة الأمة الإسلامية.
في ظل هذا الموقف العربي المأزوم والمنقسم على نفسه تجاه إيران، تقول طهران إن «عدو إيران والعرب واحد هو إسرائيل وأميركا، وإنها مستعدة للحوار والتعاون وتقديم المزيد من التطمينات».
وأفادت مصادر مطلعة أن إيران، رغم التوتر وشبه القطيعة القائم بينها وبين مصر بعد تداعيات حرب غزة، فإنها تنوي المشاركة في اجتماع دول عدم الانحياز في شرم الشيخ في مصر. وتقول إنها لن تتوقف عن العمل لإقامة أفضل العلاقات مع الدول العربية رغم إجحاف الطرف الآخر.