لم تُسقط الإدارة الأميركية كلّ أوراق الضغط من جعبتها، وهي تتجه للحوار مع إيران في قضايا محورية كأفغانستان والعراق والمخدرات، لكن الحديث عن لقاءات ثنائية لا يزال ملتبساً
نيويورك ــ نزار عبود
يشعر الإيرانيّون بأنهم كسبوا معركة دارت على مدى سني عهد جورج بوش الثماني بمجرد بث شريط التهنئة للرئيس باراك أوباما بحلول عيد «النوروز» قبل أسبوع. تهنئة رأوى أنها بمثابة دعم غير مباشر لسياسة الرئيس المحافظ محمود أحمدي نجاد، الذي يُرجّح فوزه مجدداً في انتخابات حزيران الرئاسية المقبلة.
ورغم ما أثير من أخبار صحافية عن لقاءات حدثت أو ستحدث بين الجانب الأميركي والإيراني في الآونة الأخيرة، نفت طهران التي تقطع علاقاتها مع واشنطن منذ انتصار ثورتها الإسلامية في عام 1979، ما ذكرته «صنداي تايمز» أول من أمس عن لقاء عقد على هامش مؤتمر دول شنغهاي في موسكو آخر الأسبوع الماضي بين مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون جنوب ووسط آسيا باتريك مون، ونائب وزير الخارجية الإيرانية مهدي أخوندزادة، الذي سيمثل إيران أيضاً اليوم في مؤتمر لاهاي حول أفغانستان.
ورغم التأكيدات الأميركية الرافضة لأي خطوة عسكرية من حكومة اليمين الإسرائيلي المتطرفة ضد برنامج إيران النووي، لا يتوقف الأميركيون، ومعهم الأوروبيّون، عن التهديد بأنهم سيلجأون إلى تشديد العقوبات على إيران إذا فشلت المساعي السلمية لوقف التخصيب على الأراضي الإيرانية. هذا ما أكده وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس، أول من أمس، من أن العقوبات الاقتصادية ستكون أكثر فاعلية من المفاتحات الدبلوماسية في دفع إيران نحو طاولة المفاوضات بشأن برنامجها النووي.
وتأتي القيود المصرفية على رأس تلك الأدوات الباقية في حوزتهم. وهذا ما يفسّر احتفاظ الرئيس الأميركي بستيوارت ليفي، المسؤول الكبير في وزارة ماليته الذي أدى دوراً أساسياً في تجفيف رسائل الاعتماد الضرورية لتمويل التجارة الإيرانيّة الخارجيّة، وهو أحد المسؤولين الصقور القلائل الذين احتفظوا بمناصبهم من الإدارة الأميركية السابقة.
إلا أنها «ورقة أخيرة من مخلّفات عصر ما قبل الأزمة المالية»، كما نظر إليها دبلوماسي غربي لدى الأمم المتحدة.
في المقابل، الإيرانيون يشعرون ببأسهم يشتد مع تعثّر خطط أوباما الإقتصادية وإطفاء الحريق المالي بالمزيد من طباعة الأوراق النقدية. أمر لم يستطع الشركاء الأوروبيون السكوت عنه، وحذّروا منه الأسبوع الماضي بكثير من التشكيك. لكن الأميركيّين لا ينظرون إلى الانفتاح على إيران فقط من باب المصالح المتقاطعة، بل يحتاجون إلى سوق إيران الناشئة لتسويق بضائعهم وتنفيذ مشاريع ضخمة، ولا سيما في قطاع الطاقة.
وإيران، بحسب الدبلوماسي نفسه، هي أكثر من مجرد سوق استهلاكية تضم نحو 80 مليون مستهلك. إنها شبه قارة تطل على كل مفارق الطرق. أي إن «السياسة الأميركية معرّضة للاصطدام بإيران في كل تقاطعات الطرق، كما يمكن التعاون معها عندها جميعاً».
كذلك تعلم واشنطن أن ضمان مصالحها الاقتصادية في منطقة الخليج، سواء في العراق أو غيرها من دول مجلس التعاون، لا يمكن أن يتحقّق من دون رضى الجانب الإيراني.
لقد جاء خطاب أوباما مناقضاً تماماً لخطاب بوش. هو تحدّث، كما فعل الأوروبيون، عن استيعاب إيران داخل المجتمع الدولي كشريك يمكن العمل والتنسيق معه. أي التعامل مع إيران من موقع الندّ، على غرار التعامل مع روسيا بعد غياب بوش.
ويرى الدبلوماسي الغربي أن المشكلة الحقيقية ليست في قدرات إيران النووية المتعاظمة، «لأن إسرائيل تستطيع ممارسة الردع النووي بفضل مئات الرؤوس النووية التي لديها، وبفضل المظلة النووية الأطلسية المتاحة لها، فضلاً عن القدرات الصاروخية المتوسطة المدى المنتشرة حتى على أعتاب إيران في الغواصات والبوارج في مياه الخليج والقواعد البرية. لكن مشكلة إسرائيل، وحلف شمال الأطلسي، هي في تلك التنظيمات العربية التي لا يصلح معها أي تهديد نووي وعلى رأسها حزب الله». تنظيمات يرى أنها تكبّل قدرتها على ردع المنطقة وتسويق إسرائيل نفسها كبوابة الغرب الوحيدة المؤدية إلى الشرق.
إزاء هذا الوضع الذي لا يسير كما تشتهي الأشرعة الإسرائيلية، تبقى الخشية من أعمال طائشة تقوم بها حكومة بنيامين نتنياهو لعرقلة أي مشاريع قد تأتي على حساب الدور الإسرائيلي الاستراتيجي في المنطقة، وبالتالي فإن التوتر سينتقل، حسب تقدير الدبلوماسي نفسه، من الأطر التقليدية إلى إطار العمليات الأمنية السريّة في ساحات المواجهة الباردة. وهذه لا تستثني دولاً بأكملها، وربما كانت الساحة اللبنانية الداخلية الطرّية أبرزها.